الركود التجاري في أسواقنا

 

خالد بن سعد الشنفري

 

مُنذ بداية نهضتنا المُباركة الحديثة وسريان أنشطتنا التجارية والمالية المُواكبة لها وصدور القوانين المُنظِّمة لها، ونحن نسمع مبدأ "التجارة حُرّة في عُمان"، وتحت هذا المبدأ مورست التجارة المُستترة من وافدين وأخذت تنمو وتتغلغل وتتغول حتى باتت تتصدر مشهدنا التجاري.

ولذلك لا يستفيد من التجارة إلّا التاجر الحقيقي وهو الوافد الأجنبي، بينما الكفيل العُماني بمثابة الواجهة لهذا التاجر والذي يقتات عليه. كلنا يعلم أنها بدأت بدكاكين صغيرة وما زالت تتنامى ومستمرة بيننا على ما يبدو إلى يوم الدين إذا لم نتعظ ونعمل من أجل الوطن، أو لو أبقينا على المصلحة الشخصية المتواضعة التي نحصل عليها، غير مُدركين أننا بمسلكنا هذا أصبحنا كالسوس ينخر في جسد الاقتصاد، خصوصا وأنَّ انعكاسات التجارة المستترة أخذت تظهر على أجيالنا المصطفة في طابور الباحثين عن عمل، والمليارات من أموالنا تُحوَّل شهريًا إلى الخارج من أناس يعيشون بين ظهرانينا دون أن نشعر بثرائهم من هذه التجارة.

أما عن جور الوكالات التجارية الحصرية التي حصرت بقوانين وضعناها بيد أشخاص من جلدتنا وعدم فتح باب المنافسة معهم، فإن أي استغراب منا يردون بالقول إنَّ التجارة في عُمان حرة!

من المعلوم أنه حتى في الحرية الشخصية للفرد هناك ضوابط وحدود؛ سواءً كانت وضعية أو عرفية أو أخلاقية على شاكلة أن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، لكن في تجارتنا فلامناص لك إلّا الانصياع، وكأن تجارتنا حُرة بلا حدود. ألا يُفترض بنا بعد مضي نصف قرن من نهضتنا أن نُعيد التفكير في هذه المُسلّمات التي أصبحت تشكل سدودًا منيعة في هذا الجانب! ألا يتطلب الأمر من الجهات المعنية والمسؤولين مراجعة هذا الأمر بهدف إعادة تنظيم هذه التجارة واستحداث أُطر وتنظيمات وقوانين تتناسب مع المرحلة الجديدة، على أن نُراعي فيها التطورات الطبيعية لأي نشاط بشري وللحد من هذا التغول، وكل ذلك بطبيعة الحال لن يفسد مبدأ حرية التجارة.

لنكن أكثر وضوحًا وتحديدًا ونتساءل عن المستفيد من السماح بممارسة الأجنبي لنشاط تجاري مُعين مقابل 600 ريال فقط، كي يحصل على لقب "مستثمر أجنبي" وإقامة بل ومنحه القدرة على إصدار مأذونيات، بينما كان هذا الأمر في السابق مقتصرًا على المستثمر الذي يملك نشاطًا اقتصاديًا برأس مال 150 ألف ريال عُماني ثم جرى تخفيضه إلى 3000 ريال وأخيرًا كما ذكرنا 600 ريال!

كنتيجة حتمية لكل ما ذكرناه أعلاه، بدأنا نلحظ نوعًا معينًا من الأنشطة التجارية لكل هذه الفئات تنتشر في كل شارع أو زاوية في مدننا كالنباتات العشوائية؛ مثل: محلات حلاقة وخياطة ومقاهٍ ومطاعم (نصف كم) أو بقالات، لمجرد التحايل للسماح له ببائع غير عُماني فيها، وكل ذلك في شارع واحد محدود وفي منطقة محدودة حتى وسط تجمعاتنا السكنية، بينما هذه التصاريح والتراخيص حسبما نعرفه في معظم مدن العالم تُقنن ولا تتم الموافقة عليها إلّا مع وجود مسافات بينها، ولا تُترك على علاتها وعلى كيف أصحابها!

ماذا نتوقع من هذه العشوائية بعد كل ذلك سوى تعثر هذه الأنشطة والمحلات أو المؤسسات لزيادة العرض غير المقنن على الطلب، وأن يشتكي الجميع بعد ذلك من الكساد التجاري وضعفه، بينما نحن أنفسنا تسببنا في ذلك وتركناه يحدث أمام سمع وبصر مؤسساتنا المعنية بالتراخيص والتصاريح لكل هؤلاء، ويفقد بالتالي المستثمر العُماني الحقيقي نشاطه التجاري في كل هذه المعمعة التي لارقيب عليها ينظم أنشطتها والمنافسة بينها. وللأسف الشديد انتشرت هذه العدوى حتى إلى المراكز التجارية الكبرى.

ألا يُفترض أن تكون هناك جهات رسمية مسؤولة عن ذلك وتراعي هذه الضوابط التنظيمية البسيطة لتجنيب الجميع مساوئ التخبط.

أين نحن من كل ذلك لتكون لدينا تجارة ومحلات مرنة في أدائها ومُربحة ولو بأقل تقدير، عوضًا عن الكساد الحالي وما نتج أو سينتج عنه لا محالة ليس خسارة للمشروع وحسب لكن أيضًا عدم قدرة صاحب المحل على دفع إيجار المحل وأحيانا إيجار سكن صاحب المحل، وهكذا ستكون هناك بالتبعية سلسلة من الإخفاقات والديون على كل حلقات هذه السلسة.

ألا يستدعي كل ذلك وقفة وتدخل الجهات المسؤولة عن كل هذه العملية التي لها علاقة مباشرة بالتصاريح والتراخيص، أم نترك الحبل على الغارب من منطلق التجارة الحرة؟!