لو كنتُ مسؤولا (12)

 

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

 

بيانات الانسحاب ووضع الأندية

 

قبل الدخول في المقال، أودُ ذكر حادثة حدثت لي شخصيًا؛ حينها كنت طالبًا في الصف الثاني الثانوي (الصف الحادي عشر حاليًا)، عندما تلقيتُ دعوة من صديق عزيز وزميل في ذات الصف، لست وحدي مدعوًا، فقد وُجِّهت ذات الدعوة لأصدقاء آخرين، عمومًا حضرنا جميعًا، وكانت الدعوة في الأصل أننا مدعوون لاجتماع في نادي العروبة العزيز، والهدف هو إنشاء فريق ثقافي، وتفعيل المسرح المجتمعي الذي لكثير من الأندية فيه صولات وجولات.

بادرني من دعا للاجتماع وهو أستاذ فاضل عزيز، عليه شآبيب الرحمة والرضوان؛ أعرف أنك صوراوي لكن كلنا أبناء صور وأنا بكلم الوالد- رحمه الله تعالى- بنفسي. أشرت إليه بالموافقة. وعند خروجي إذا برجل سمت المحيا، يعلوه الوقار، صوته رخيم، ترى الكبرياء بين وجنتيه، سألني من أنت؟ فأخبرته، فردّ علي: جميل أن يكون أبناء المدينة في نادي المدينة، لم أعرف الرجل، فهذا عهدي الأول به، سألت من يكون؟! قيل هذا الشيخ سالم بن سعيد الفنه رئيس النادي، أبهرني حضوره وفكره وجميل حديثه.

عمومًا ولأنَّ صور سرعان ما تسري فيها الأخبار، فإذا برئيس نادي صور يطرق باب البيت، كان حينها الأب العزيز الغالي خميس بن مسلم الغيلاني (مهوّد) رحمة الله تعالى عليه، طبعًا سمعت منه ما يستحق من فكّر مجرد التفكير أن يترك ناديه؛ يقصد نادي صور، وله علي واجب السمع والطاعة.

ونحن في صور الولاية نرث محبة الأندية وعشقها كما نرث إرث أجدادنا المجيد.

منذ ذلك الوقت، وعلى مر السنوات، وتراكم الخبرات، أدركت إدراك اليقين أن نادي صور ونادي العروبة فرسا رهانٍ يشّد بعضهما بعضًا، ويحفز الواحد منهما الآخر، فأن يترك نادي العروبة كله، نعم كله الساحة خالية، فهذا إلى قبل صدور بيان النادي، كان أمرًا لا يُمكن حدوثه، وعند قراءة البيان، ترسّم أمامي ذلك الرئيس الذي التقيته وأنا فتى في مقتبل العمر، ولا زلت وقد جاوزت الخمسين أفتخر به، وبكل رئيس مّر على أندية صور.

اليوم ليس العروبة وحده المُنسحب، هناك أندية كثيرة، ولربما غيرها في الطريق، وهذه نتيجة طبيعية جدًا لسبب واضح للغاية، وهو عدم التوفيق بين الإيرادات القليلة، والمصروفات الكثيرة، وهذا نتيجة أسباب وتراكم سنوات، من العمل مختلف الأهداف والرؤى والتوجهات من ناحية، وأكيد وبما لا يدع للشك مكانًا فهو مختلف الإمكانات والقدرات من ناحية أخرى.

وبنظرة عامة، فإن "الأندية" هي ما بين متطلبات الوزارة الموقرة صاحبة الأمر والمتابعة والمحاسبة بموجب نصوص القانون ولوائحه، وبين الاتحادات التي تمثل الأندية قاعدة عملها وبرامجها وأنشطتها.

ومع هذين الهلالين هناك الجمعيات العمومية وتوجهاتها، والجماهير وطموحاتها،. ولا ننسى ذوي التأثير في الأندية ورغم قلة العدد فلهم السطوة والأمر النافذ.

وبشكل سريع، لا بُد من التوفيق بين كل هذه العناصر لتعمل بشكل تراتبي تكاملي، وبالتالي سأضع هنا بعضًا مما أراه مناسبًا من منطلق خبرات متواضعة عبر سنوات من العمل في الأندية.

وأول ما يجب الاتفاق عليه من الجميع؛ هو الهدف من الأندية ككيانات مجتمعية فاعلة ذات صفة، ومن الرياضة التي تمثل جزءا من عمل الأندية؛ فالدور المجتمعي لتعزيز الممارسة، والرياضة للجميع، وتعزيز الصحة، هدف نبيل لكن له مساره المختلف، عن رياضة تنافسية حاضرة بقوة في المحافل المختلفة، تصل إلى صناعة اقتصادية تمثل نسبا واضحة في دخل البلاد وتقوية التنوع المنشود في اقتصادها، ووفقا للهدف تعاد صياغة القوانين وتعديل اللوائح، وتحديد الأدوار، وتعزيز الإمكانيات.

ينظر الكثير لمجالس الإدارات فتكال لها التهم، والنقد الذي يكون لاذعًا في أحيان كثيرة، باعتبار أن المجالس كالحلقة الأضعف، في حين يجب وبشدة تغيير هذه النظرة لتكون مجالس الإدارات الحلقة الأقوى إن أردنا تحقيق أهدافنا الطموحة من الرياضة.

ولتحقيق ذلك فنحن بحاجة ماسة لإعادة هيكلة النظام الأساسي للأندية وأدوار عناصر العمل خاصة الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات، كما حدث في وقت سابق مع الاتحادات. مع ضرورة التوفيق بشكل أكثر وضوحاً في العلاقة بين الاتحاد والنادي المنظم إليه.

الوزارة الموقرة صاحبة الكلمة الفصل، وهذا طبيعي بحكم القانون، وقد أقرت نظامًا للحوكمة من وجهة نظري ضروريا لحفظ الحقوق وتحديد المسارات، لكن كان من المهم قبل تطبيقه تعديل النظام وتسوية وجدولة الديون السابقة لتصل الأندية إلى مستوى صفر مديونية، وبعد ذلك يتم التطبيق لهذه الحوكمة، حينها لا مناص أمام أحد من إنفاذ الحوكمة والسير بالعمل الرياضي بعيدا عن الانسحابات والإيقاف وكثرة القضايا.

لا زال الاستثمار في القطاع الرياضي متواضعًا جدًا، ودعم القطاع الخاص له يكاد يكون منعدمًا، وبدون المال الكافي المقنن، والصرف المنظم ستبقى الأندية حبيسة دهاليز الديون، ومحدودية المشاركات، وتكرار الانسحابات.

ما زلتُ أعتب وبشدة على الإعلام الرياضي الذي ما زال في كثير من تعاملاته يميل لكفة دون أخرى، وهو الذي يمثل ركيزة العمل وتصويب المسارات إن تجرد من كل تبعية إلا التبعية للطموح والرغبة في بلوغ الغايات وتحقيق النجاح، فيكون صارما لأجل عمان، واضحا لأجل عمان، صريحًا مصداقًا لأجل عمان، فيضع عمله الإعلامي المهني على طريق الثبات والتطوير. فلا تطوير دون إعلام ناقد بصير.

العمل الرياضي تهتم به معظم فئات المجتمع، ويتابعه جل الشباب الذين هم الفئة الغالبة، وهم حينما يقارنون في بعض الأحيان بمستوى العمل الرياضي في دول الخليج خصوصا؛ فهي مقارنة المحب الغيور الذي يطمح لأن نكون في الصف الأول دومًا، وعلى الجميع في كل الجهات الإنصات لهم والاستماع لرؤيتهم، والأخذ بها، وفتح قنوات التواصل والحوار معهم على مصراعيها.

الوطن أمانة والشباب أمانة والرياضة غاية والسلطان المفدى المعظم يولي هذا القطاع ما يوليه من اهتمامه والشواهد عديدة، لتكن هذه مرتكزات ومنطلقات لعمل رياضي بنّاء.