ذكرى عيد العرش المجيد.. نهضة متجددة للمغرب الحديث

 

 

سعادة طارق الحسيسن

 

احتفل الشعب المغربي في الثلاثين من يوليو الماضي بالذكرى الرابعة والعشرين لاعتلاء صاحب  الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش أسلافه الميامين، وهي مُناسبة مليئة بالرموز والدلالات التي تُعبر عن عمق أواصر الولاء والبيعة والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب، وتكريس الالتزام الراسخ بمواصلة مسار التنمية والبناء وتحقيق النموذج التنموي المغربي المُتميز الذي أرسى دعائمه صاحب الجلالة، نصره الله، باعث نهضة المغرب الحديث، وفق مقاربة قوامها النمو الاقتصادي المستمر والتنمية المستدامة والتضامن الاجتماعي والحكامة الجيدة.

إنَّ تخليد هذه الذكرى الغالية لعيد العرش المجيد، والذي يأتي هذه السنة، في سياق التعافي من جائحة كوفيد 19، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على كافة دول العالم، يشكل لدى كل المغاربة قاطبة مناسبة للتأمل في مُنجزات العهد الزاهر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهي لحظة سياسية مُهمة لرسم معالم العشرية الثالثة من حكم جلالته الزاهر، والتي جعلت من العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة محورها الأساس؛ من خلال تعزيز المكتسبات المحققة، والعمل على انتهاج النموذج التنموي الجديد وفق الرؤية الملكية المتبصرة والسديدة، كما عبَّر عنها جلالته في خطبه السامية والمبنية على "توطيد ثقة المواطنين في المؤسسات الوطنية، والانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية في مجال التنمية والاقتصاد، إضافة للتسريع الاقتصادي المنتج والمشغل وتحقيق النجاعة المؤسسية". وهو ما يستدعي التهيؤ لدخول مرحلة ما بعد الجائحة واستعادة وتيرة النمو الاقتصادي المتسارع، من خلال مرحلة جديدة من الإنجازات تتميز بمواصلة الورش التنموية الكبرى والإصلاحات العميقة التي يشرف عليها جلالة الملك، حفظه الله، بكل عزم وحزم، وصولا للأهداف المرجوة.

وفي هذا الإطار، تشكل ورش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس -حفظه الله- بعمق إستراتيجي، وبعد جهوي مندمج، حجر الزاوية في السياسات العمومية المتبناة وفق منظور يروم تحقيق الرفع من قدرة الاقتصاد المغربي، بمستويات تمكن من مواجهة التحديات الراهنة لما بعد الجائحة، والرهانات التي باتت تفرضها البيئة الإقليمية والدولية المعقدة والمتسارعة، بالإضافة إلى ورش الحماية الاجتماعية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، وأمر بتطبيقها، من أجل تعميم الحماية الاجتماعية على كافة فئات المجتمع المغربي، والذي يشكل رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في نسيج الاقتصاد الوطني، بما يوفر الحماية للطبقة العاملة ويصون حقوقها، وهو ما يشكل فعلاً ثورة حقيقية في المجال الاجتماعي، ومنعطفا حاسما في مسار تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والمجالية.

وفي إطار دور المملكة المغربية الفاعل والحاسم في المعركة العالمية ضد فيروس كورونا، وبإشراف ملكي سامٍ من جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، تم توقيع عدد من الاتفاقيات التي تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لـ"كوفيد 19" ولقاحات أخرى بالمغرب، حيث يندرج هذا المشروع المهيكل في إطار إرادة جلالة الملك، أيده الله، حول تمكين المملكة المغربية من التوافر على قدرات صناعية وبيوتكنولوجية شاملة ومندمجة لتصنيع اللقاحات بالمغرب؛ بما يجعل المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا على الصعيد القاري والعالمي باستثمار إجمالي يناهز 500 مليون دولار؛ وذلك في إطار الشراكة الإستراتيجية المتميزة مع جمهورية الصين الشعبية. وبهذا الشكل، يكون المغرب بهذه الخطوة الحاسمة والبناءة قد دخل نادي كبار منتجي اللقاحات، ليُسهم بدوره في المجهود العالمي لمكافحة الأوبئة والعمل على إرساء وضمان السيادة الصحية وطنيا وإقليميا وجهويا.

وقد أسهمتْ هذه الجهود الاستباقية المبذولة في تأمين زيادة الجاذيية الاقتصادية للمغرب، الذي بات قبلة مفضلة للاستثمارات الأجنبية، بعد الإصلاحات الهيكلية على مستوى مناخ الأعمال وإصلاح البورصة والقضاء وتحديث النظام المالي والجبائي، والانفتاح على أسواق عالمية جديدة وواعدة ودعم الاستثمارات في الصحراء المغربية وفي القارة الإفريقية.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، تواصل المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الإسهام الفاعل والمؤثر في القضايا الإقليمية والدولية، وفق رؤية ملكية سامية سديدة، مبنية على الحوار وحسن الجوار واحترام سيادة الدول ودعم الأمن والسلم الدوليين وتكريس التعاون الدولي وترقية حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، فإنَّ المغرب يعمل جاهدا، منذ سنوات، من أجل تفعيل الاتحاد المغاربي، وتعزيز العمل العربي المشترك، والدفاع عن القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في إطار حل الدولتين ووفقا للمرجعيات الأممية ذات الصلة. كما أن التوجه الإفريقي أضحى محددا ثابتا وإستراتيجيا في السياسة الخارجية المغربية، والتي بفضل ديناميتها، حققت نتائج مهمة على مستوى دعم التنمية في عدد من البلدان الإفريقية، وفق قاعدة الكسب المشترك والمنفعة المتبادلة، والتنمية الجماعية المستدامة للقارة.

وفيما يخصُّ واقع العلاقات المغربية العمانية وآفاقها، لابد من التذكير أن هذه العلاقات الأخوية المتينة والراسخة والمتميزة بين البلدين الشقيقين والقائمة على الثقة المتبادلة والتعاون والتنسيق المثمر والبناء والتضامن المتواصل، عرفت وستعرف مزيدا من التقدم والتطوير إلى آفاق أرحب، في ظل القيادة الحكيمة والرشيدة لقائدي البلدين المبجلين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وأخيه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم، حفظه الله، والذي نتمنى لجلالته بهذه المناسبة السداد والتوفيق في قيادة الشعب العماني الشقيق نحو مزيد من التقدم والازدهار والرخاء.

وفي هذا الصدد، ينبغي التذكير بأنَّ العلاقات المغربية العمانية، قد تعززت خلال الفترة الأخيرة بالتوقيع بمناسبة انعقاد الدورة السادسة للجنة المشتركة المغربية العمانية بالرباط بتاريخ 4 يوليو 2023، برئاسة معالي وزيري خارجية البلدين الشقيقين، على عدد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم شملت العديد من القطاعات الحيوية والمُهمة، كالنقل البحري والموانئ وحماية المستهلك والسكك الحديدية وفي مجال التدريب الدبلوماسي، إضافة لاستمرار التشاور والتنسيق على مختلف المستويات بين مسؤولي البلدين الشقيقين، من أجل إبرام اتفاقيات جديدة تخص مجالات تعاون أخرى كالتعاون الأمني والطاقات المتجددة وغيرها، فضلا عما تعرفه العلاقات الثقافية والعلمية من زخم متميز.

ويظلُّ الطموح قائما للدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين إلى مستويات أرحب، خاصة في ظل توفر كل الظروف المؤاتية لتحقيق ذلك من موقع إستراتيجي مُميز، ومؤهلات اقتصادية كبيرة، وبيئة استثمارية جاذبة، فضلاً عن وجود إطار قانوني غني بين البلدين يغطي كافة مجالات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين.

وفي الختام، أغتنم هذه المناسبة لأتقدم إلى كافة أفراد الجالية المغربية المقيمة بسلطنة عُمان، بأحر التهاني بهذه المناسبة الغالية، وأتمنى لهم مزيدًا من التقدم والنجاح، كما لا يفوتني أن أعبر عن جزيل الشكر وعظيم الامتنان والتقدير العالي لكل المؤسسات والهيئات الرسمية والخاصة بهذه الأرض الطيبة المعطاءة، التي أبت إلا أن تعبر لنا عن تهانيها بالذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش المجيد.

 

* سفير مملكة المغرب المعتمد لدى سلطنة عمان - عميد السلك الدبلوماسي

 

تعليق عبر الفيس بوك