القرآن روح الأمة

 

 

 حمد الحضرمي *

لأنك الله لا خوف ولا قلق، ولا يمكن لخليَّة أن تتحرك، ولا لذرَّة أن تكون، ولا لقطرة أن تتبخر، ولا لورقة شجرة أن تسقط، إلا بحول الله وقوته، ولأنك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الحفيظ، القائل في كتابك الكريم في سورة الحجر الآية التاسعة: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". لقد أكد الله جل جلاله في هذه الآية الكريمة أنَّ القرآن سوف يُحفظ؛ فلا يضاف إليه قول ليس فيه، ولا يُنقص منه شيء؛ لأنَّ القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة الباقية إلى يوم القيامة، وهو روح الأمة ودستور حياة للمسلمين، فيه سكينة وطمأنينة ويقين، وفيه عِزنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، ويجب أن نحافظ عليه ونتمسك به ونحرص على تطبيق تعاليمه بالقول والعمل في حياتنا؛ فالحياة مع القرآن الكريم نعمة وبركة وتزكية للنفس ليس لها مثيل، لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها. وعلينا أن نعيش في ظلال القرآن، حيث النفس الزكية، والسريرة المطمئنة، وراحة القلب والضمير، والله هو مُدبِّر الأمور ونحن جميعًا في كنفه وفي رعايته إلى يوم الميعاد.

وإنَّه لمن المؤسف والمحزن حقًا أنْ يسمح لشخص سفيه في دولة غربية تدَّعي ليلَ نهار التمسك بالمبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية والمواثيق الدولية، وباحترام الديانات ومنع خطابات الكراهية والتمييز الديني أو العرقي، أن تسمح هذه الدولة لأحد مواطنيها الجبناء بأن يقوم في مشهد شاهده العالم بأسره، وفي أول أيام عيد الأضحى المبارك يوم الحج الأكبر وأمام مسجد ستوكهولم الكبير بالسويد، أن يقوم هذا الحقير القذر، وبحماية من رجال الشرطة بحرق نسخة من القرآن الكريم، إن هذا الفعل الشنيع قد استفز المسلمين صغيرهم وكبيرهم في كل بقاع العالم؛ لأنه فعل قبيح به كراهية وعنصرية جاهلية، وقد مس أقدس مُقدِّسات المسلمين وفي يوم عيدهم.

إنَّ إهانة كتاب الله ودستور المسلمين وروح الأمة، بالحرق والدوس عليه بالأقدام لن يمر مرور الكرام؛ لأنَّ هذا التصرف البغيض قد أثار حفيظة المسلمين في أرجاء الأرض وعبروا عن غضبهم الشديد ورفضهم القاطع لمثل هذه التصرفات المرفوضة في الشكل والمضمون، وقد ناشدت الشعوب الإسلامية حكوماتها باتخاذ خطوات قوية تكون رادعة لكل شخص أو دولة تمس أفعالها مقدسات ورموز المسلمين، ويجب وضع حد لعدم تكرار هذه الأفعال السيئة التي تحرض على الكراهية والعنصرية وازدراء الإسلام والمسلمين ومقدساتهم، ويفترض على هذه الدول الغربية التي تناشد بالديمقراطية وحرية التعبير أن تتقيد باحترام الشعوب الإسلامية ومقدساتهم وأن تكون عادلة ولا تكيل بمكيالين.

وقد عبَّر شيخنا الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة -حفظه الله وأطال في عمره- عمَّا يكمُن في صدور المسلمين من غصة وغضب في بيانه المنشور الذي بين فيه رفضه وغضبه لهذا الفعل المذموم المرفوض، داعيًا لمقاطعة المنتجات السويدية حتى يكون لهم درسًا وعبرة، وقد سجل التاريخ في قائمته السوداء موقف الدول الغربية وردة فعلها السلبية من حرق نسخة من القرآن الكريم يوم عيد الأضحى المبارك، هذا الموقف الغربي المخزي يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك والريبة أن الدول الغربية لا تتمسك بالمبادئ والقيم الأخلاقية والمواثيق الدولية، وإنما هي شعارات براقة يستخدمونها في حالات مُنتقاة على حسب أهوائهم ورغباتهم وأهدافهم غير الأخلاقية والمعدومة من الإنسانية مع تستر واضح وفاضح على كل أفعال الكراهية والعنصرية تجاه المسلمين ومقدساتهم.

وستبقى صدور اليهود المشركين الغربين مملوءة بالكره والحسد تجاه المؤمنين إلى يوم القيامة، لأن قلوبهم مريضة، تحب الباطل وتكره الحق، ولا يريدون أن يتمتع الآخرون بنعمة الإيمان، بل يتمنون زوال هذه النعمة العظيمة عن المؤمنين، وسيظل اليهود المشركون بلا حضارة، وليس لهم دور إيجابي في تاريخ البشرية، وإننا نرى بأم أعيننا أن اليهود يستولون على التراث الفلسطيني ومعالم الحضارة العربية الإسلامية، ويسجلونها باسمهم في المنظمات الدولية، فهم لا يملكون حضارة؛ لذلك يحاولون بشتى الوسائل لبناء حضارة لهم ولكن عبر الاستيلاء على إنجازات وتاريخ وحضارة المسلمين الخالدة. وها هي جامعة هارفارد الأمريكية تعلن في أحدث دراسة لها: أن القرآن أفضل كتاب للعدالة عرفته البشرية في تاريخها "والحق ما شهدت به الأعداء" وهذا دليل قاطع على عظمة كتاب الله.

والأمة الإسلامية اليوم روحها مُنكسرة، وقلبها مُهشَّم، وأنفاسها الضعيفة تحتاج إلى من يجبر التهشم والضعف والانكسار، وليس لهذه الأمور من حل، سوى الرجوع إلى الله الجبار وكتابه الكريم والتمسك به والعمل بموجبه، حتى تجبر كسور الأمة، وتضمِّد بظلاله جروحها، وقد أصاب الأمة الإسلامية من الحزن والألم الكبير بحرق كتاب الله وإهانته، وأمتنا تعيش في ضعف ومحن كثيرة، وهذه المحن تمس أفئدة المؤمنين، الذي أصابهم القهر والشتات والخذلان، والأيام تطول، وتتوالى الزفرات، وتشتد البلاءات، فنسمع كلام الله المنزل المكتوب في القرآن الكريم "ألا إن نصر الله قريب"، فندعو الله الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء، في الليلة الظلماء، أن يعجل النصر على الأعداء، ويفرج الهم والغم والكرب على الأمة الإسلامية ومقدساتها، وتعود العزة والكرامة للمسلمين في كل أرجاء الكون..إنه قريب مجيب الدعاء.

* محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك