فك كربة.. والرحمة فوق القانون

 

خليفة بن عبيد المشايخي

halifaalmashayiki@gmail.com

 

ينظر الله سبحانه تعالى إلى هذه الدنيا الفانية على أنها لا تساوي عنده جل جلاله جناح بعوضة، وجاء لو كانت تساوي عنده ذلك، لما سقى منها الكافر شربة ماء، فلماذا نُقيم لها وزنا وقدرا وهي دنيّة.

والمتمعن في قدرة الله سبحانه وتعالى سيجدها مطلقة لا محالة، ما يعني أنه جلَّ جلاله قادر على أن لا يجعل في الأرض فقيرا ولا مشردا ولا محروما ولا محتاجا، فلحكمة بالغة جعلنا درجات، ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، والله سبحانه وتعالى جعل في أرضه وبين عباده ومخلوقاته الرحمة. وفي هذا الشهر الفضيل تزداد الرحمات ويتسابق الخيرون في كل مكان إلى الإحسان وصنع المعروف، ويتقدمون إلى فعل الخير والمسارعة فيه وإليه، بشتى الطرق والصنوف والمجالات والوجوه، ولما كان الأمر كذلك ينبغي ألا يختص فعل الخير بشهر دون آخر، وإنما يجب أن يكون حاضرا في كل الأوقات.

وفي السياق إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس فحببهم في الخير وحبب الخير إليهم وهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة.

فمن فرج أو نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وخير الناس أنفعهم للناس، ولأن يمشي أحدكم في قضاء حاجة إنسان أو أخ له، خير له من الاعتكاف في مسجد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم شهرا.

وإننا إذ نشيد بتلك الأيادي البيضاء السخية وأصحاب القلوب النقية التقية في بلادنا التي قدمت وما زالت تقدم وتفعل الخير وفي مقدمتهم حضرة صاحب الجلالة السلطان المفدى- حفظه الله ورعاه- وأسرته الكريمة، وقيامهم بالتفريج عن الناس وخاصة كل مهموم أو مغموم أو مريض أو مديون أو سجين، فإننا لنشد على يد الجميع فيما تبقى من هذا الشهر المبارك، بضرورة تقديم وفعل ما يمكن تقديمه وفعله، للتيسير على المعسرين وأصحاب الضمان الاجتماعي والدخل المحدود، وفك كرب الكثيرين في هذا البلد الذين يتوارون في بيوتهم ومقارهم وخلف القضبان وفي سجون سمائل وبقية مراكز التوقيف في المحافظات.

وفي هذه السانحة أود أن أذكر نقطة مهمة تتعلق بفك الكرب مع شكرنا البالغ للخيرين الذين أعطوا وقدموا وساهموا، ولأولئك الذين بصدد المسير على نهج من سبقهم من المحسنين، والنقطة التي استوقفتني أولا لماذا تحصر مبالغ فك كربة عند ألفين ريال فقط، والشيء الثاني شرط فك كربة شخص مُعين بأن يكون في السجن فقط، فالذي عليه أمر حبس أو تعميم ومذكرة إلقاء القبض إلا أنه ما زال خارج السجن لظروف ما، فإنهم يرونه ليس مستحقًا لفك كربته.

كذلك لطالما هناك شخص أو أشخاص قدموا أو من ينوب عنهم بأنه عليهم دين وأمر حبس وفي أي لحظة مهددون بدخول السجن، فلماذا لا تكون هناك مبادرة طيبة بالدفع عنهم وإنهاء أمر الحبس عنهم ليعيشوا مع أولادهم في حب وسلام ووئام، فكلها أسبوعان وسيأتي العيد.

وعلى ذكر التعاميم وأوامر الحبس سمعت عن موقف أحزنني كثيرا إذ إنني تلقيت اتصالًا من شخص عزيز روى لي قصة أخته أودع زوجها منذ أيام في السجن بسبب مطالبات مالية، وهي كانت في الشهر التاسع من حملها، فالقبض على زوجها وعائلهم الوحيد أمام أعينهم، سبب لها صدمة ومتاعب صحية كبيرة، ما أدى هذا الموقف العصيب ورؤيتها لزوجها يقتاد إلى دورية الشرطة، إلى سقوطها مغشياً عليها، ليتم بعد ذلك إسعافها إلى المستشفى وإذا بحالتها وجنينها تتدهور، وللأسف لم يستطع الأطباء فعل شيء أمام الحالة، إذ فقدت الأم جنينها والذي كانت الأسرة تستعد لاستقباله بعد طول انتظار.

ازرع جميلاً ولو في غير موضعه ما ضاع جميل أينما زرع، وافعل الخير في أهله وفي غير أهله، فإن لم يكن ذاك أو هو أهلا لفعل الخير فيه، فكن أنت أهلا للخير وفعله بدون شروط ومنة.

تبقى أسبوعان على انقضاء هذا الشهر الفضيل، وهذه دعوة لأن نهب يدًا واحدة في مجتمعنا من أجل فك كرب من نعرف ومن لا نعرف، وأن لا ندع سجين مطالبات مالية لا يعود لأهله، فهذه الأيام فرصة لفعل الخير بكثرة وللبذل والإنفاق.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة