د. سالم بن عبدالله العامري
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ هكذا وصف ربنا تبارك وتعالى أيام شهر رمضان الفضيل في كتابه العزيز.
نعم، هي أيام معلومات ومحدَّدات ومُعيَّنات بعددها وزمانها؛ فعِدَّةُ رمضان إما تسع وعشرون أو إكمال عدَّته ثلاثين يومًا، والشهر هكذا كما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم: إما تسع وعشرون يومًا، أو ثلاثون يومًا عدًّا وعددًا؛ وفي هذه الآية ما يُمكن الاستدلال به على قيمة الوقت في رمضان، وأهمية إدارته واستغلاله في صناعة التغيير، والتخلص من العادات السيئة، والارتقاء بالنفس الإنسانية المكرَّمة ارتقاء اجتماعيًّا وحضاريًّا يليق بمكانة وقيمة الإنسان التي نال بها التكريم والتشريف من رب العالمين.
فالصوم، إذن فرصة ذهبية للتغيير، ومن لم يتغيَّر في رمضان تغيرًا إيجابيًّا، فليعلم يقينًا أن التغيير في غيره من سائر أيام العام صعب، وليس باليسير إلا على من يسَّر الله تعالى له أسبابه؛ لرغبته الصادقة في التغيُّير.
وليس هناك أغلى ولا أعظم من أيام رمضان بكل ساعاته ودقائقه، في ليله، ونهاره، ومن أجل هذا كان لابد للمسلم أن يستغل وقته في ما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة فيقوم بترتيب أولوياته، وضرورياته، ويشمرعن ساعد الجد في ما بقي من أيامه، فإذا كان قد ذهب من هذا الشهر بعض أيامه فإنه لا يزال منه الكثير، وفيه أجله وأخيره، فأيام الشهر تمر بسرعة فما أحوجنا أن نشمر عن ساعد الجد، ونشحذ الهمم فيما تبقى من هذا الشهر الفضيل.
ومن الأعمال التي ينبغي أن تكون في قائمة أولويات الصائم ويعطيها مساحة كافية من وقته قائمة العبادات مثل تلاوة القرآن، والصلاة، والقيام، والاعتكاف، والدعاء، وإطعام الطعام، والتصدق... وغيرها من أنواع البِرِّ، وأبواب الخير، وتجنب قائمة العادات السيئة مثل السهر، والنوم الكثير نهار رمضان، وارتياد الأسواق والمقاهي، ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وغيرها من مضيعات الوقت. فكلما انفقت الوقت الكافي في قائمة العبادات، انخفض معدل ضياع الوقت في قائمة العادات تلقائيا.
ولأن شهر رمضان هو شهر الخير والبركات، فيه تعتدل طبائع النّاس وعاداتهم، ويرتقي السلوك البشريُ، وتزولُ الضغائن، وتزيدُ حركةُ الجود والعطاء، وينشطُ أهلُ الخيرِ في أعمالِ البرِ والإحسان، وفيه تتضاعف الأجور والحسنات، وتُغفر الخطايا والسيئات، وتصفد مردة الشياطين، فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير رمضان، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، كل هذه الأسباب وغيرها تجعلنا نوقن بأنَّ رمضان فرصة سانحة، وغنيمة جاهزة، لمن أراد التغيير في حياته.
الأسباب مهيأة، والأبواب مشرعة، وما بقي إلا العزيمة الصادقة، والصحبة الصالحة، والاستعانة بالله في أن يوفقك للخير والهداية، لتنال الغفران، والعتق من النيران، ثم في الآخرة دخول الجنة من باب الريان. ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ )البقرة : 184).