هل تستطيع روسيا أن تصمد؟

 

 

الحرب قد تستمر 5 أعوام على الجبهات الثلاث: العسكرية والاقتصادية والسياسية

 

د. رفعت سيد أحمد

 

في أوكرانيا لا تزال مُستمرة منذ 24 فبراير 2022، ولم تترك واشنطن جبهة إلا وفتحتها بشراسة مع موسكو في هذه الحرب الأمريكية- الروسية التي تجري وقائعها على الأرض الأوكرانية؛ إذ لم يعد سرًا أن هذا الصمود للجيش الأوكراني بعد الأسبوع الأول للحرب كان خلفه دعم لوجستي وعسكري سري واسع النطاق ودعم معلوماتي واستخباراتي عالي الدقة من حلف "الناتو" بقيادة واشنطن.

الأمر نفسه على جبهة الاقتصاد والتي أبدعت فيها أمريكا وخاصة في فنون الحصار والضغط الاقتصادي على روسيا ومن يؤازرها بدءًا بعقوبات "السويفت" وانتهاء بتجييش الحلفاء والاصدقاء في العالم أجمع لانهاء القوة الاقتصادية الروسية خاصة في النفط والغاز والقمح. وعلى المستوى السياسي، استخدمت واشنطن- وما زالت- الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بل وحتى "الفيفا" ضد موسكو لتركعيها وهزيمتها ليس فحسب على الأرض الأوكرانية؛ بل وبداخل الأراضي الروسية ذاتها. إنه العقاب الأمريكي الشامل والمرتفع في سقفه بما لم يتوقعه الكثيرون.

أمام هذا الحال الملتهب والمركب عالميا والذي قد يستمر لسنوات خمس كما يذهب بعض الخبراء العالميين، ليس عبر الحرب العسكرية وحدها بل عبر الحرب الاقتصادية والسياسية بتوابعها المزلزلة. وهنا يطرح السؤال الاستراتيجي الأهم: هل تمتلك روسيا إمكانات الصمود فضلاً عن قدرات المواجهة؟

الإجابة لدينا تقول: هي تمتلك إمكانات الصمود ولكنها ستدفع أثمانا كبيرة في سبيل تحقيق هدفها الرئيسي من هذه الحرب والمتمثل في نزع سلاح أوكرانيا وتحييدها أو تقسيمها إلى دولتين إحداهما تابعة جغرافيا وسياسيا وعسكريا لموسكو تماما مثل نموذج الكوريتين.

الرئيس بوتين لم يدخل هذه الحرب ليهزم بل لينتصر هذا هو ما تقوله الإدارة الروسية وهذا هو الفهم والقرار الروسي لمجريات هذه الحرب المفتوحة..ولكي نبين أسباب وإمكانات الصمود الروسي في وجه العاصفة الأمريكية العاتية في الجبهات الثلاث: العسكرية والاقتصادية والسياسية. ودعونا نبين ما يلي:

أولا: مرتكزات القوة الروسية التي يستند إليها بوتين في هذه الحرب؛ حيث تقول الحقائق المجردة على الأرض إن روسيا التي تعيش على مساحة تبلغ 17 مليون كيلومتر مربع، وتمتلك القوة النووية الأولى في العالم. ولروسيا مجال حيوي واسع عملت على تكريسه طوال قرون عدة، ويشمل آسيا الوسطى وبلاد القوقاز وقسم من أوروبا الشرقية.

وتمتلك روسيا كذلك حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي مما يتيح لها الإسهام في إدارة النظام العالمي، وهذا عامل قوة لا يمكن لطرف دولي انتزاعه منها.

أما قطاغ الغاز: فبحسب نشرات إحصائية لعام 2020، فإن روسيا هي الأولى عالميًا من حيث امتلاكها حوالي 49 تريليون متر مكعب من احتىاطي الغاز، وتأتي بعدها إيران وقطر، ووفقُا لما قاله نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، خلال مشاركته في منتدى أعمال الطاقة الروسي- الصيني فإن "احتىاطيات النفط في روسيا ستكفي لمدة 30 عاما على الأقل، أما احتىاطيات الغاز فتكفي لمدة 50 عاما"، مثلما أوردت وكالة " تاس" في التاسع والعشرين من نوفمبر 2021.

روسيا هي الدولة السادسة عالميا بإمتلاكها احتىاطيا نفطيا مقدرا بـ107 مليارات برميل، حيث تحتل فنزويلا المرتبة الأولى بـ304 مليارات برميل، وفي المرتبة الثانية السعودية بـ298 مليار برميل، وتأتي كندا ثالثًا بـ170 مليار برميل، والرابعة لإيران بـ156 مليار برميل، والخامسة للعراق بـ145 مليار برميل، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة "سبوتينك " الروسية بتاريخ 8 مارس الماضي.

الصادرات الروسية النفطية هي الثانية في العالم، وتقترب حصة روسيا النفطية في السوق العالمية من 14 في المائة. وتمتلك روسيا موارد طبيعية هائلة، وهي من ضمن الآوائل الثلاث التي تحوز على احتىاطيات الذهب والفحم والحديد والألماس والبلاتينيوم. كما إنها إحدى أهم السلال الغذائية العالمية، وتموضعت في العام 2017 في مركز الصدارة الأولى في تصدير القمح؛ إذ إنها صدرت 41 مليون طن مثلما ذكرت وكالة " نوفوسوتي" الروسية في الثالث عشر من يوليو 2018، وتنتج روسيا زهاء 77 مليون طن من القمح سنويا، وتأتي بعد الصين (135 مليون طن) ثم الهند (103 ملايين طن). وهي الأولى عالميا في إنتاج الشعير، والثانية في زراعة بذور عباد الشمس، والثالثة في البطاطا والخامسة في مزارع الدجاج وإنتاج البيض.

أما القوة الناعمة الروسية، فهي أكثر ما تتمثل في الأدب الروسي العائد الى ما قبل العام 1917، وهو أدب حي كان وما يزال يتصدر قائمة الآداب العالمية، من منا لايعرف تولستوي وتشيكوف ودوستيفسكي !كما تأخذ روسيا موقعا هو الأول في الرقص التعبيري المعروف بـ"الباليه"، ومواقع متقدمة للغاية في الإبداع الموسيقي، فضلا عن الشطرنج وأصناف متعددة من الألعاب الرياضية.

وهذه القوى الناعمة عادة ما تكون في غاية الاهمية في المشكلات والحروب وفي شحذ الهمم والصبر على تبعات الأزمات المؤثرة وما يجري في أوكرانيا وحولها يعد من الأزمات الكبرى المؤثرة على حاضر الأمة الروسية ومستقبلها.

ثانيًا: من الناحية العسكرية لروسيا قدرات كبري تؤهلها للصمود في وجه هذه الحرب العالمية وتحول دون استنزافها ووفقا لتصريحات الرئيس الروسي بوتين بأن روسيا صرفت ودفعت 355 مليار دولار لإنتاج أسلحة جديدة وهي 14 سلاحاً بحيث أصبح الجيش الروسي أقوى جيش في العالم وأن روسيا استدانت من الصين 300 مليار دولار مقابل ارسال نفط وغاز سيبيريا لتسديد 300 مليار دولار وهي الديون الصينية لروسيا وقال بوتين أنا لم أفكر في السياسة منذ 8 سنوات أنا لم أفكر في أي شيء إلا في صناعة أسلحة جديدة وقال إن لائحة الأسلحة الجديدة هي الآتية:

1- غواصة بوكسوك، أقوى غواصة في العالم تعمل على الطاقة النووية وتنزل إلى عمق أربع كيلومترات تحت سطح الماء وتقصف 18 صاروخاً نووياً على أي نقطة في العالم وكل صاروخ يحمل 3 قنابل نووية وروسيا صنعت 8 غواصات منها.

2- سلاح مصدام وهو كناية عن دبابة بخمسة مدافع يجلس فيها 6 جنود وكل مدفع يتم تلقيمه أوتوماتيكياً ويضرب في اتجاهات مختلفة وإلغاء مبدأ الدبابة بمدفع واحد بل إن الدبابة بخمسة مدافع ستقصف عبر خمسة مدافع لديها في كل الاتجاهات وهذا يجعل بدل إنتاج ألف دبابة إنتاج مئتي دبابة فقط وتكون كافية لتدمير كل الأهداف أمامها.

3- دبابة تي 90-إس، أقوى دبابة ولا يخرقها أي صاروخ مضاد للمدرعات ولا استطيع كشف سر ذلك قال بوتين.

4- طائرة سوخوي 57، أعظم طائرة في العالم ولن تبيع روسيا أي دولة في العالم منها بل ستكون محصورة بالجيش الروسي ويكون سلاح الجو الروسي اقوى سلاح بعد صنع 350 طائرة من سوخوي 57 وستقوم بنشرها في 19 دولة حليفة لروسيا من الصين إلى آسيا إلى الشرق الأوسط الى أفريقيا إلى أوروبا إلى أمريكا اللاتينية وإلى كوبا. وإذا اعترضت الولايات المتحدة طائرات سوخوي 57 فوق كوبا فستشتعل معركة جوية فوق كوبا مهما كانت النتائج.

5- صاروخ كورنيت 40، وهو صاروخ مضاد للمدرعات لا مثيل له في العالم يعمل على جهاز لايزر ويصيب الهدف على 5 كم ورأس الصاروخ يلحق أشعة اللايزر إضافة إلى الحرارة الصادرة عن الدبابة أو المدرعة ولا يمكن أن يخطىء الهدف وهو أهم من صاروخ كورنيت وصاروخ كورنيت أس الجديد وطلبت سوريا منا ألف صاروخ من هذا النوع لكن لن نبيعها هذه الصواريخ لأنها خطرة جداً.

6- صاروخ بانكستير، صاروخ ينطلق بسرعة 3 ثوان سرعته 12 مرة سرعة الصوت ويحطم أي صاروخ أو طائرة في الجو في حد أقصى هو 9 ثوان. وسنبيع الصين فقط هذا النوع من الصواريخ.

7- المدرعة المدمرة، وهي مدرعة راجمة صواريخ تحمل 60 صاروخاً وصنعت روسيا منها ألف مدرعة وقادرة على إتلاف وإحراق جيش بري بكامله من مسافة كلم إلى مسافة 75 كيلومتراً ويكفي أن تشترك 20 مدرعة من نوع مدمر كي تحطم كل القوى التي بوجهها، كما أنها مسلحة بصاروخ بانكستير كي يمنع أي غارة جوية علىها ويحميها.

8- طائرة تي-50 وهي طائرة سرية سنصنع منها 12 طائرة فقط وقادرة على الطيران من روسيا الى الولايات المتحدة في أي نقطة فيها ثم العودة إلى روسيا دون التزود بالوقود وتحلق على 80 الف قدم ولا تستطيع أي طائرة اللحاق بها او المناورة معها ويمكن اعتبار مخترع هذه الطائرة انه نال وسام بطل روسيا الأعلى الذي تم منح منه 5 اوسمة منذ 90 سنة وحتى الآن، وقال بوتين لا استطيع كشف أي شيء عن تي -50 وهي ليست للبيع وصنعنا منها 12 طائرة وهي موضوعة في مخابئ تحت الأرض وتحلق من مدرج موصول إلى مركزها وعندما تنطلق في الجو تختفي ولا يستطيع الرادار كشفها وتحمل اربعة صواريخ نووية وفي حين ان الصاروخ النووي سرعته مرتين سرعة الصوت في حين أن سرعة تي 50 هي 16 مرة سرعة الصوت وتصل إلى هدفها من روسيا إلى أوروبا او الولايات المتحدة في ما بين 20 إلى 35 دقيقة وتعود ب 22 دقيقة لأن وزنها يكون اصبح اخف بعد إطلاق الصواريخ وواشنطن تعرف خطر هذه الطائرة والصواريخ النووية لم تعد لها قيمة لأن سرعة الصاروخ النووي مرتين سرعة الصوت بينما طائرة تي-50 سرعتها 16 مرة سرعة الصوت...هكذا تفهم القيادة الروسية قوة جيشها وهكذا سلحته بهذه القدرات والتي يؤكد الخبراء الاستراتيجين أنها ستسمح لها بالصمود أما الضغوط الأمريكية والأوروبية القاسية..رغم الأثمان الباهظة أيضا والتي ستدفعها روسيا كلما طال أمد هذه الحرب

ثالثًا: أما على جبهة الاقتصاد فستكون الإجابة عن سؤال كيف ستصمد روسيا في هذه الحرب الشرسة ؟هو أنه لاخيار لديها سوي أن تلعب ما نسميه بـ(سياسة حافة الهاوية) والتي تعني أوراق كثيرة في يدها ومنها ورقة (الغاز) و(القمح) و(النفط) ولعل في تأمل نموذج واحد لهذه السياسة "سياسة حافة الهاوية" هو القرار المهم باستبدال الدولار بالروبل في عمليات بيع النفط و الغاز الروسي؛ ما يؤكد قدرة روسيا ليس فحسب على الصمود بل وعلى المواجهة طويلة النفس وفق قواعد لعب دولية جديدة تستلزمها سياسة حافة الهاوية رغم الاستنزاف الكبير والواضح من واشنطن لها..إن المتأمل هنا لمسألة إستبدال الدولار بالروبل سيجد بها زاوية مهمة تتصل بسيناريوهات المستقبل المحتملة في جبهة الاقتصاد في الحرب الغربية- الروسية على أرض أوكرانيا.

تُنبئنا الحقائق أن الاتحاد الأوروبي يشتري يوميا من روسيا النفط والغاز بقيمة 660 مليون دولار، مما يعني عمليا الاتحاد الأوروبي يدفع كل يوم 660 مليون دولار مقابل النفط والغاز.

والقرار الروسي بإستبدال الدولار بالروبل يعني أن الاتحاد الأوروبي مطالب بدفع تلك القيمة الضخمة من الدولارات بعملة الروبل. حاليا سعر الدولار الواحد تقريباً 100 روبل، مما يعني حسابيًا الاتحاد الأوروبي الآن مطالب بتوفير 66 مليار روبل يوميا مقابل النفط و الغاز.

لكن.. كيف يستطيع توفير هذه الكمية الضخمة يوميًا؟ الاتحاد الأوروبي سيضطر لشراء الروبل مقابل الدولار أو اليورو. ولا توجد دولة أخرى بخلاف روسيا تملك هذه الكمية الضخمة من الروبل. لهذا سوف يضطر أن يطلب من البنك المركزي الروسي الروبل مقابل الدولار أو اليورو وبالتالي روسيا سيرتفع لديها احتياطي العملة الصعبة.

ويرى خبراء المال والاقتصاد العالميين أنه ما زال لدى روسيا قرار آخر في يدها اذا استخدمته سيؤدي إلى إشكالات كبيرة للإتحاد الاوروبي، وهو ان ترفض بيع الروبيل مقابل الدولار واليورو وتطلب الذهب مقابل الروبل، وسيصبح سعر الذهب مرتفعا جدا (الآن الجرام الواحد يعادل حوالي 60 دولارًا) وهذا يعني يعني 6000 روبل، أي وبعملية حسابية بسيطة، فإن الإتحاد الأوروبي سيكون مطالبًا بتوفير 11 طنًا يوميا من الذهب لشراء 66 مليار روبل يوميًا لشراء حاجياته اليومية من النفط والغاز الروسي. هذا يعني أن روسيا لو اتخذت هذا القرار ستمتص في فترة قليلة جدا احتىاطي الذهب في البنوك المركزية الأوروبية وتكدّسه لديها، الامر الذي له تبعات ضخمة منها الافلاس المالي.

أما لو تم فقط التعامل بالروبل بدلا من الدولار، وهو المتوقع والارجح، فسنشاهد أوربيًا ارتفاعًا كبيرًا في الطلب على الروبل يؤدي بالضرورة إلى إرتفاع الطلب على المبادلات التجارية بجميع أنواعها مع روسيا للحصول على عملة الروبل التي ستصبح في خانة "العملة الصعبة"... وبالتالي ستكون عملة الروبل في حد ذاتها مؤثرة تماما كالدولار في الاقتصاد الدولي.

ماذا يعني كل هذا؟

يعني ببساطة أن الحرب الدائرة الان في أوكرانيا لها تكلفتها على العالم أجمع وليس فقط على أطراف الحرب وأن الجميع سيعاني وليس طرفا واحدا وأن كل اللاعبين لديهم مصادر للقوة وللضعف وأن الطرف الاذكي والاكثر درسة لقواعد الحرب هو الذي ستكون معاناته أقل.. لكن يقينا كل الاطراف؛ بل كل العالم خاصة نحن بلدان الشرق الاوسط سنعاني كثيرا لسبب بسيط وجوهري وهو أن أغلب بلداننا لايملك إستقلالا إقتصاديا كاملا وحقيقيا بعيدا عن هذه المنظومة العالمية الجبارة والمتوحشة.

والله أعلم.