الشعر بين مآسي الحياة والمحن والإبداع

 

سارة بنت علي البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

كانت ولا زالت أقدار الله ومشيئته تمضي على إنسان الأرض حتى قيام الساعة، وكانت الحياة الاجتماعية لبني البشر تقتضي التعايش أياً كان نوعه واختلافه وجيده وسيئه، فكانت الوجهات تارة بتخيير وتارة بتيسير، وإعمار الأرض كان مطلباً خصص له الآدمي للقيام به، وسخر له من أجل ذلك كل شيء، فكانت مجالات الحياة الدنيا مختلفة ومتنوعة يأخذ منها كل بحسب موهبته ورغبته وميوله، وطوال تاريخ البشرية مرَّ على عصورها أحداث مختلفة ونكبات وويلات متعددة أحدثت أزمات كبرى وأتت على كل شيء.

فمنذ إعلان مجيء اليوم الأول من العام الحالي 2020 كانت المآسي تتوالى على العالم برمته وعلى كوكبنا المترامي الأطراف من أقصاه إلى أقصاه، إلى أن وصلنا إلى اجتياح كوفيد 19 لنا حاصدا الكثير من الأرواح والمهج، ومعطلا الكثير من جوانب الحياة، فلم يبقَ شيء على حاله.

وإذا ما أخذنا تواصل الناس وتجمعهم بعين الاعتبار، سنجد أنَّ هذا الجزء حوصر بالعديد من الإجراءات التي حدت منه، بما فيها التقاء الشعراء وتجمعهم من أجل إقامة الأماسي الشعرية والندوات وغير ذلك، فالشعر هو الآخر لم يجمع عشاقه ومتابعيه وهو كما هو معروف عنه بأنه ديوان العرب اشتهر فيه شعراء كبار، فإنِّه في هذه الأزمة تقلص وصار يلقى عبر العالم الافتراضي من خلال شاشات الجوال وأجهزة الحاسب الآلي لأنَّ التجمع محظور.

إنَّ الشعر منذ عصر الإسلام كان شيئاً معلوماً، فعرف أن حسان بن ثابت كان شاعر الرسول، ومضى هذا المجال مستمرا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وقبل الوضع الراهن كان أهله يجتمعون ويتسامرون ويقولون ما جادت به قرائحهم.

إنَّ دول مجلس التعاون الخليجي العربي اهتمت اهتماماً بالغاً بالشعر بأنواعه، فأقيمت له المهرجانات الكبرى والمحافل العُليا وكان يدعى له أهله ومتابعوه من مشارق الأرض ومغاربها، وكان يأتي له الشعراء ويشاركون فيه من هنا وهناك، فترى ذلك يقول شعرًا في الوطن، وآخر في الرثاء، وذاك في الغزل والهجاء، وتوثق تلك الأماسي وتصدر عنها كتب ومجلدات تعود بالنفع على عامة القراء والمكتبات العربية، وتنبري المؤسسات الإعلامية لإبراز وطرح تلك التجمعات الشعرية الجميلة.

إنَّ الشعر وإن كانت مفاصل الحياة تتوقف في أحيان كثيرة عند حدود معينة، فإنه يأتي للشاعر متدفقاً بجماله وعذوبته، ويتذوقه الكبير والصغير بحسب ما يطرح، ويقال بلهجاته وما يحمله سواء كان شعرا عاميا أو فصيحا أو نثرا أو غير ذلك.

حينما يكون الشاعر في حالة احتضار الكتابة لديه، يأتيه الإلهام منقذا له ليكون معبراً بواسطته عن أحواله ورؤاه وأفكاره وما اعتمل في صدره، فيستذكر أنه شاعر فينهض بعزيمته ويكتب ويقول ويُبدع، وتتجدد فيه الحياة ويراها بعين المتفائل وليس المكتئب، وتكبر لديه الهمة ويعلو بها مهاوي الردى، فيستقر في حالة نفسية جيدة، ويكون في انتشاء يسوق إلى العطاء والإبداع، فالجهود التي كانت تبذل قبل الوضع الراهن ملموسة ومقدرة.

تشير تلك التأملات إلى أنَّ الزمان وإن كانت مساوؤه ثكلى فإنَّ محامده ترتجى مع الوقت القادم، وتشير حالات الوقت بأنه وإن كانت التطلعات بها شيء عسير وصعبة المنال الآن، فالله قال "إنَّ مع العسر يسرا"، فهدهدت الليل تقول إنَّ قادم الأيام ستكون أنفاساً مبهجة وليس معها أحزان، وستعم بشارات ليس معها أتراح، وإنَّ الشعر باق ومُتوارث جيلا بعد جيل حتى لو ادلهم الخطب واظلم الليل.

إنَّ الشعر عالم مليء بالجمال ويجمع خصائص شتى، فرب شاعر أغناه شعره وجعله سيد قومه، ورب قائل له أصبح حكيم زمانه وزعيماً بين سلطانه، ولا شك أن الشعراء جزء لا يتجزأ من منظومة الحياة، فهم مكملون لعطاءات الآخرين، ومنطلقون مع المصلحين وناشدو السلام والتسامح والمحبة الوئام بأشعارهم وأقوالهم وأفعالهم.

قل للغريم ما ضرك لو نلت فضلاً، وقل للشاكي ما شأنك لو قلت عفوا، فالعفو أولى ولكن الفضل أولى، فمن الشعر نقول إن الشدائد لا تدوم، وللشعر نقول لا هنت ولا هذا يدوم ولا ذاك.

كل التحية لكم أعزائي القراء وسامحوني على الإطالة والانقطاع عن الكتابة طوال الفترة الماضية لأسباب صحية وعسى العود أحمد، فأبارك لكم قدوم السنة الميلادية 2021م، وكل عام وأنتم بألف خير وبركة ومسرة.