نعم.. ماضون خلفك لا شقاق ولا فتن

 

د. شريفة بنت علي القاسمية

خبيرة بحوث ودراسات

"والدي، سيدي، أبي قابوس ... أنتَ تاجٌ للمعالي صانعُ الأجيال، يا رفيعَ الخيرِ يا مانحَ الآمال. سر بنا، نحنُ وراءك نهتدي دوماً خُطاك، نحتمي بِكَ دوماً لا نرى إِلّا سواك".....

ترانيم تحلت بها ألسنتنا رغم حداثتها، وتجذرت بعمق المحبةِ في أوصالنا وبقدر الولاء في شخوصنا، نلهج بها، نتلوها في كل مطلع، ألفناها كما ألفتنا، نعشقها بقدر عشقنا لهذه الأرض وكأنها إحدى المعلقات السبع، ستغيبُ عنا سيدي يمناك التي نستبشرُ بها في كل عهدٍ جديد، يداك التي ارتسم فيها شموخُ بلادي، وبعمر السنين التي بنيت بها أرضاً كانت صفراء، يداً كانت تلوح لنا من بعيد وذلك الانتظار المرتقب لنراها وكأنها تُحيي فينا آمالاً عظاما، وتؤكد حباً عطرياً لا يكسوه إلا العطاء ولا يفهمهُ إلا نحنُ، ما زال وسيستمر فينا ماضياً بنا بحوراً ومحيطات كمنديل أزرق يرفرف في الآفاق يحمل سلاماً أبديا ووفاءً سرمديا.

ستذكرك الخمسون عاماً يا أبي كعقدٍ لؤلؤي، وطني المولد، صَنَعتهُ عُمانُ باسمكَ لكي تسجل إشراقات عهدك الزاهرة. لن تنسى أرضُ بلادي الخضراء يقيناً ... شمساً ابتهجت بقدومك، وستذكرك سماؤها التي أظلتك بسحائبها وأنت تنتقل بين وادٍ وسهل، وسيذكرك ترابها الذي افترشتهُ بخرائط الحكمة والبناء، وسيذكرك قمرها وهو يهل علينا شهراً بعد شهر ليعلن مولد نهضتنا المُتجددة، وستذكرك ينابيعها التي حملت بين جنباتها سرور شعبك وأمانه وأمنياته، وسيذكرك نخيلها وزروعها وكيف أنك حميتها واستدامت جذوتها من فتيل حبك وعطائك وبذلك الخالص لها، وستذكرك جبالها وكيف وقفت بحكمتك عليها، وستذكرك حنايا سهولها الممطرة، وستذكرك كثبانها التي قُدت حركتها بعزمك، وسيذكرك شيوباً همسوا بأذنك بسر الحب والوفاء واستلوا من قلبك الحنون ابتسامات وليدٍ تبعث وتجدد فينا الآمال، وأطفالٌ وقفوا ليشاهدوك من خلف الشاشة؛ فتشرق سنونهم، ليستنبطوا من عزمك البسالةَ والشموخ، وستذكرك نساء عمان اللاتي آمن بقدراتهن وتفوقهن في ميادين الإنجاز؛ فلك الولاء والحب والوفاء ما حيينا.

جلالتك نحن متماسكون ومتعاضدون ويداً بيد؛ وكما زرعت من أجلنا ومن أجل عُمان ذاك السلام الماطر من يديك وبين جنبيك وتحت قدميك. فنحن على قدر ذلك ماضون ورافعون رؤوسنا كأننا علمٌ على رأسهِ نارُ. وسَنُعَّلِم العالم دروساً ارتشفناها من قهوة حكمتك اليومية؛ فحكتمك تتجلى فينا وفي ردود أفعالنا وفي فكرنا وبين ثنايا أضلعنا، تتحرك فينا، تأخذنا، تأسرنا، كأفلاكٍ تطوف حول العالم حاملةً شعلة السلام وكأننا كُلنا قابوس.

سيدي، قدومك الآسر ورحيلك الشامخ كقصيدةٍ شعرية في ريع شبابها تحترق كأخشاب العود لتطيب الأرض بعطرها الأخاذ؛ سطرت فينا هذا التلاحم فَعَبَرت هذا الهدوء الهستيري ليُشعل العالم فضولاً وخوفًا؛ لتقول إن أبناء قابوس في استعدادٍ مهيب وفي استقرارٍ متواضع قد يكتسح العالم لو انتشى. وكما أعدت تعبئتنا كجيشٍ يحمي كل أخضرٍ ويابس ونحن قاعدون في بيوتنا ننتظر إشاراتكم السامية بالاستعداد كخطٍ دفاعي مرصوص البنيان للذود عن كل ما سطرته من منجزات بهذا البلد الطاهر، ثق بأن رحيلكم عنَّا لن يُثنينا؛ فنحن على العهد باقون، وبحبل الله معتصمون؛ نعم ... ماضون خلفك لا شقاق ولا فتن؛ فوالله لن تضيع وصاياك، سنتقلدُ بها كنياشين على صدورنا للبقاء والاستمرار من أجل الأفضل.

وتحيتهم فيها سلام؛ وسلام لك سيدي،، فيا عجباً مما نرى! فحتى سحابات السماء تزحزحت برياحها العاصفة من أجلكم مولاي وسيدي، وأنزلت مُزنها وتَشرَّبت الأرض واخضرَّت لاستقبالكم كما فرشتم الأرض وروداً وسلاماً. فهنيئاَ لتلك الأرض التي احتضنت سلامكم، وهنيئاً لكم نومكم؛ فيا أرض كوني برداً وسلاماً عليه، ويا سماء أقلعي بشمسك لتضللي قبره المنير. وكما وهب العالم لُب سلامهِ؛ ستَهِبهُ إياه مجدداً لينعم بتلك الراحةِ الأبديةِ الخالدة؛ بعدما أرقته هذه الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها فحملها على عاتقه. وبكل الفخر نقول لقد وفيت وأديت الأمانة فينا ونمنا قريري العين حين كان العالم متيقظاً.