مرحلة التأهب ومرونة التعليم

 

د. شريفة بنت علي القاسمية

وفي خطواتٍ استباقية لدرء خطر جمود استمرارية التعليم التفاعلي المدرسي، وإنقاذاً لمرحلة تعليب الأدمغة الصغيرة، فقد وجب تقديم الحلول وصيانة صناديق فكرية كانت في مراحل تترى في حالة من التبريد العميق؛ انتظاراً لحقبةٍ زمنية آتية ليست لنا ... بل لهم! فآن الأوان لإعادة تدويرها وتفعيلها حرفياً بدلاً من تجميدها وتجريد الواقع من أهليتها.

وفي تسارعٍ أممي لإنقاذ الموقف! من أجل تسخير الإمكانات وبناء القدرات ومن أجل حماية هذه الأدمغة، فإنَّ اعتصاماً دولي المنحى بدأ يلوح في الأفق تحت مظلة منظمة التربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" التي تتخذ من شعارها الأيقوني "التعليم من أجل الجميع" كبوابة عبور مع الأقطاب المتضادة والمتحدة معاً بخلاف انقساماتهم وأطيافهم وثقافاتهم. فأخذ يتألق صوتها بصوت الأغلبية ليكتسح متسيداً انضمام مؤيدي العالم تحت ظل هذا الشعار؛ فدارت بوصلة الأرض وتحالفت المنظمات أجمع في صيرورتها للحد مما خلفته الجائحة COVID-19.

 

ومع اجتياح المارد الفيروسي لأكثر من ١٨٠ دولة؛ نرى أن معدلات التوقف عن الدراسة عالمياً في ازدياد وإلى أجلٍ غير مسمى! وفي أحداثٍ غير مسبوقة؛ يصبح أكثر من مليار ونصفه بما يقارب ٨٠٪ من مرتادي أروقة العلم تضرروا سلفاً واستسلموا آبهين أم غير آبهين بما سيسببه هذا الاجتياح من أضرار سواء على الطالب كمتلقٍ على مقاعد الدراسة أم المعلم كرسول للمعلومة. وفي توحدٍ بشري المرام تبرز المحاولات المستميتة لتدارك الأسوأ؛ ولقهر هذه الترسانة اللامرئية يتهافت صوت الأنا البشرية لينتصر بغريزتها التي تنادي بالبقاء "للأقوى"؛ فتسامت في عدم استسلامها ومحاولاتها الجادة لتتحدى المستحيل من أجل تصعيد الحراك في مواجهة التكنولوجيا والتفافاتها من تعقيدات كانت تتراءى لنا أنها جسيمة. وحصرياً، التفتت اليونسكو لما يسمى بالبلدان الأشد حرمانا من التعليم والمعزولة قسراً عن وسائل التكنولوجيا. ومن حسن الحظ أن هذه الالتفاتة طالت الجميع لخلق ما يسمى بالأزمة المحورية، فأعطت المبدعين والمبتكرين مجالاً لتجسيد رؤاهم في أشد المحن تعقيداً لتشكل تظاهرة علمية فريدة من نوعها  ألا وهي "التعلم عن بعد"؛ كحلٍ سحري جادت به قريحة المبدعين تقنياً  كأحد أكثر أسلحة العلم رواجاً بالعالم وأشدها اجتياحاً.

فتعزيز الجيل الخامس في عالم الثورة الصناعية الرابعة هو الحشد القادم لإيجاد الحلول الرقمية البديلة؛ لتنظيم تقنية "التعلم عن بعد" لحواسيب سحابية تسمح بتعزير "المنصات الافتراضية" في ظل أمن سيبراني قائم على توفير قاعدة أمنية لطرفين أساسهما المعلم والمتعلم. وبوصفها حلول سياقية بعيدة المدى عن التداخل والحيادية فقد أعطت لمحة قلما شهدناها سابقاً تتجلى بها رغبة الصانعين لهذه التظاهرة لحشد مواردهم وتمكينها قدماً كحلول ذكية صناعياً.

ومع أن الشأن الداخلي عمانيا يختلف عما هو عليه خارجياً لخدمات تخلخلت لحدود المقبول بسبب تضاريسيات التواجد وليس كمنهج حوكمي التبني؛ إلا أنَّ الهاجس الوطني أبى طوعاً إلا أن يتنافس نخاعياً لبلورة الحلول الرقمية بمحتواها التعليمي بعيداً عن سياج الاشتراطات الحوكمية. فلولا قدرات معرفية مختزلة وبنية تحتية لما وراء الخمسين عاماً، وكفاءة تتحدث عن اجتياز شبكات الجيل الخامس لما وراء الأفق -  لما اجتاز الطلاب شط عوالم "التعلم عن بعد". فتحولت عوالمه الافتراضية كحمامٍ زاجل ينقل دروس العلم إلى منازل خضعت بوطنيتها لنداء الوطن ليشارك كل بيت وكل إنسان يبتغي السلامة لوطنه. فأصبحت المنصات الإلكترونية هي التعبئة الحقيقية لدور العلم؛ لإنفاذ الكتب المدرسية المبرمجة والمواد التعليمية في محتوى رقمي ذكي آخذاً بيد الطالب حتى وإن كانت هناك بعض التنهيدات لابتلاع هذا القادم من بعيد. ولتخفيف وطء الأزمة ولضمان أريحية وصول المواد التعليمية بمحتواها الرقمي أصبحت الشاشة الفضية هي الناقل الوطني لمخزون ذلك المعلم.

وحتى نبتعد عن أنصاف الحلول؛ سعت اللجنة العليا المكلفة بمتابعة آلية التعامل مع COVID-19 إلى إنصاف هذه الفئة التي طالما انتظرت شغفاً للفرص الذهبية. وهنا يتبادر لنا السباق الصحي المتناغم من أجل تقديم الحلول على طبق ممكن وصفه "بالطبق الذهبي". فالأزمة خلقت من هذا التحدي مخارج أنيقة تتسع لتلك القنينة العطرية التي تفوح بوسع الأرض أريجا. فتكللت المساعي مرحلياً بشكل أنيق لنقول إننا ما زلنا في مرحلة التأهب.