الدقم.. البوصلة نحو ريادة الأعمال

 

 حمود الطوقي

هذا المقال هو الخامس عن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ضمن سلسلة مقالات هذه الزاوية، ويبدو أنَّ الشهية لديَّ للحديث عن الدقم مُرتفعة هذه الأيام.. فأنا أكتب هذا المقال وأراقب تغطية زملائي وهم يسطِّرون بأقلامهم وينقلون لنا صورة واقعية عن المكانة التنموية لهذه المدينة الواعدة التي ستغيِّر بلا شك موازين المنظومة الاستثمارية في السلطنة فور اكتمال المشاريع العملاقة التي تَجري وتيرة تنفيذها هناك على قدم وساق؛ لتعزز مكانة الدقم كأرض الفرص الاستثمارية المحفِّزة.

نعم هذه هي الدقم التي تحتضن مشاريع عملاقة يصل حجمها إلى المليارات؛ سواءً باستثمارات وطنية أو أجنبية، لكنَّ هذا الطُّموح الوطني المعقود على الدقم، يطرح تساؤلات ملحَّة ونحن نتحدث عن منطقة يؤمل أن تكون نقطة ارتكاز لانطقة تنموية جديدة؛ منها: أين تضع "الدقم" رواد الأعمال على قوائم التحفيز والتشجيع والحزم الجاذبة؟ وأين تضع الجهات الداعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أصحاب هذه الشركات في خُططهم لتعمير وتنمية الدقم؟ وبالمقابل، ماذا في جعبة الشباب أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ليُقدِّموه على هذه الأرض الحالمة؟ وما هي خططهم لاكتشاف منجم الفرص الذي تخبئه الدقم؟

تساؤلات تتقاطع في نقطة التقاء بالغة الأهمية، وفي مرحلة عنوانها الرئيسي "الكل شريك في التنمية" كشعار ترفعه رُؤية عُمان المستقبلية 2040، فهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ومن خلفها الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة"، أو صندوق الرفد، أو غرفة تجارة وصناعة عمان، كلهم اليوم معنيون بالإجابة عن التساؤلات الأولى؛ لتوضيح رؤيتهم وخططهم لصناعة الفرص أمام هذا الجيل الجديد، واستقطاب هذه الفئة التي أثبتت على طول السنوات القريبة الماضية قدرتها على الإسهام في رفد المنظومة التنموية بمشاريع وأفكار ورؤى وطموحات واسعة، آتت أُكلها، ونالت تقديرًا محاليا ودوليا، يفرض حقيقة السؤال عن ملامح المرحلة الحالية والمقبلة للتفاوض مع الشركات الكُبرى المحلية والعالمية التي ستستثمر في الدقم، لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، بل وحتى متناهية الصغر، من خلال تعزيز مفهوم القيمة المحلية المضافة بشراء مُنتجات الشباب وتدريب عُمَّالهم، ومنحهم الفرصة ليكونوا حاضرين في الدقم ويُسهموا في إنجاز مراحل إتمام الأمل الوطني المرجو من هذه المنطقة الاقتصادية الأكبر في الشرق الأوسط.

وهنا يأتي النصف الآخر من التساؤلات، ماذا في جُعبة الشباب؟ فمثل هذه الدعوة الموجَّهة للمعنيين بفتح مزيد من الفرص أمام رواد الأعمال في الدقم، تستوجب في المقابل من الشباب بحثا وتنقيبا من أجل التطوير ومن أجل المنافسة بقوة على مضمار الدقم التنموي، فعلى رواد أعمالنا أن  يدرسوا وبعمق أهمية هذه المنطقة والفرص الممكنة فيها، ورص وترتيب أفكارهم ووضع التصورات الملائمة وحَزْم الأمتعة والتوجه صوب مستقبل واعدٍ تُوصِل إليه بوابات المنطقة الاقتصادية بالدقم؛ فبالتخطيط وعقد العزيمة والعمل بجد وإخلاص ستُفتح مغاليق الفرص، وتتجذر القدرة على المنافسة، في مناخ استثماري توفره الدقم لا مجال فيه لمتراخٍ، فحجم الشركات والاستثمارات هناك لا يسمح بتواجد أنصاف ذوي الهمم العالية.

وأودُّ التأكيد هنا على أنني عندما أتحدَّث عن فرص حالمة في الدقم -وأنا أدرك ما أقول- فإنني أعني هذا الوصف بشمولية المجالات التي تُتيحها الدقم للمستثمرين كبارًا وروَّدًا؛ سواء في الصناعات التحويلية أو قطاع البيع بالتجزئة وإعادة التدوير والخدمات اللوجستية والسياحة، وقطاعات التعليم والتدريب، وإدارة المرافق، والخدمات الإيوائية وتقديم خدمات الإعاشة... وغيرها من فرص قائمة، بيد أنها تنتظر من يطرُقها بقوة ليضع بصمته فيها، وهو ما لا يُمكن أن يتحقق دون تعاون وتكامل يمنح الفرصة لعقد شراكات جادة وحقيقية بين المؤسسات الكبيرة والشركات الصغيرة والمتوسطة، شراكات يتعمَّق فيها مبدأ التكامل لتحقيق النجاح المنشود.

وأنا هنا لا أُحمِّل الأمر فوق ما يستطيع، فكما ذكرت الفرص كبيرة ومُواتية للجميع، والدقم ترحب بالاستثمارات المحلية والأجنبية، ولكن تبقى إمكانية دمج رواد الأعمال في المسيرة وتوسيع دائرة مشاركتهم في تحقيق الحُلم متعلقة بصدق النوايا في منحهم الفرصة، والعمل على تذليل ما يعرقل مشاريعهم، وتقديم مزيد من التسهيلات التمويلية بفوائد مدعومة، وتهيئة المناخ الاستثماري المشجع، والوفاء بنسبة الـ10% من حصة المناقصات لمشاريع الرواد.. وهي مناسبة جدًّا مواتية لأوجه رسالتي للشركات العملاقة التي فتحت الدقم ذراعيها لاستقبالها، وجاءت بعد أن اكتملت منظومة البُنى الأساسية ووجدت كل شيء جاهزًا، أدعوهم لأن يصُوغوا ملامح خطة واضحة المعالم لتهيئة الفرص أمام أبنائنا من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

فكما ذكرت، ستظل النوايا الخالصة الصادقة من جميع المعنيين، بمن فيهم الشباب أنفسهم، هي المحفِّز الأساسي والوحيد لتحقق حُلم المدينة الاقتصادية الموعودة "الدقم.. مدينة المستقبل التنموي المستدام".