خارج الصندوق.. داخل العتمة

غسان الشهابي

بينما مدرِّس الجغرافيا يشرح لنا -ونحن في المرحلة الإعدادية- عن الثروات الطبيعية، جاء الحديث عن الغاز الذي نراه يشتعل في حقول النفط، فتساءل أحد الطلاب الأشقياء: "بدلاً من حرقه هكذا، لماذا لا نصبّ هذا الغاز على إسرائيل؟"، فكتم الأكثرية ضحكتهم لسذاجة الاقتراح، لئلا يتعرضوا لبطش هذا الطالب فيما بعد!

اليوم، أجد المقترح كان يسبق زمانه، كما يقال الآن عن الرئيس الراحل أنور السادات في صلحه مع "إسرائيل"، فهذا تفكير خارج الصندوق، وهو أَحْوَج ما نحتاجه في وضعنا الراهن ما دامت طُرق التفكير لم تأت بنتيجة خلال 71 عاماً، والمهادنة لم تأت بنتيجة، ولا الزعيق، ولا التهديد، ولا الاستسلام، ولا التطبيع، ولا ستر الكيان الأنظمة التي كانت تتعامل معه من وراء ستار، ولا أبقى سرًّا لأي خائن أبلغه أسراراً أؤتمن عليها؛ ولهذا الفضح غرض أن يدبّ اليأس داخليا في الوقت الذي مُتأكِّد فيه هذا الكيان أنه لن يخسر الخونة، بل سيزدادون مع الأيام، وهم الذين سيرِّوجون لما سيأتي، في الوقت الذي تقوم كل العوامل الأخرى فيه بعمل "مساج" للإرادة، والغضب، والتصميم، والمبادئ، لكي ترتخي، وتنعم بالراحة، مع شعورها بحدِّ السكين على الرقبة.

وعودة إلى "مقترح الغاز"، إليكم مُقترح آخر أكثر سذاجة منه؛ فلقد أعلنت واشنطن العام الماضي عن حرمان الضفة الغربية وقطاع غزة من 200 مليون دولار، وتحويلها إلى مناطق أخرى، وذلك كعقاب للسلطة، بل لكل الفلسطينيين، وللدعس أكثر على الحالة الاقتصادية المتدهورة، والرواتب المتأخرة، والبنى الأساسية؛ وذلك من 380 مليون دولار المنحة الأمريكية السنوية للسلطة، والحجة أنَّ جانباً من هذه المنحة يذهب للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية!

هل فسلطين، بضفتها وغزّتها بحاجة إلى هذه المنحة؟ طبعا لا. إذ لو حسبنا عدد العرب اليوم فهناك مراوحة ما بين 389 مليوناً و422 مليوناً فرداً (لن نتحدث في هذه المرحلة عن 1.8 مليار مسلم)، فلنقل إنهم 400 مليون، ونعلم أن حالة أكثر العرب الاقتصادية "بالويل"، لكن ألا يستطيع 50 مليوناً -أي 12.5% من مجمل العرب- التبرع لفلسطين شهريًّا بمبلغ دولار واحد؟ لو حدث ذلك ألن يتدفَّق على الأراضي المحتلة 600 مليون دولار سنويًّا من الشعب العربي فقط، ناهيك عن حكوماتهم، ونحن أولى من الغرب بقضيتنا بدلاً من الإذلال الأمريكي الرخيص؟!

ممنوع الضحك!!