ألا تخجلون من وطنكم؟!!

 

مسعود الحمداني

 

أيها المفسد في الأرض- أيّاً كنتَ وأيّاً كان منصبك ومسكنك وفسادك- ألا تخجل من وطنك؟!! ألا تخجل من وطن أعطاك وما بخل، وأغدق عليك ولم يمنّ، ووصلك بالهدايا والهبات والمِنَح ولم يكف يده عنك؟ فجازيته بالنكران، والمنكر من الفعل، وسرقته حتى بانت عظامه، ولان لحمه، ونهشتَ أوصاله دون رحمة ولا شفقة!! ألا تخجل أيها المفسد الذي وُلدت في هذا الوطن فأطعمك، وترعرعت على أرضه فآواك، ونشأت فيه فأكرمك، ثم كبرت تحت شمسه وظلّه، وأمنّك ماله وعياله فكسرت ظهره، وطعنت كرامته، وخنت أمانته.

ألا تخجل أيها المسؤول الكبير، وأيها المسؤول الصغير، وأيها المسؤول الذي لا مسؤولية لديه أن تكون سبباً في تخلّف وطنك، وسبباً في سوء سمعته، وجرح كبريائه، بسرقتك أو خيانتك له، وأنت الذي كان عليك أن تكون حارسًا عليه؟ فأصبحت لصًا يسرق قوت عياله، وينصب عليه باسمه، ويقتسم الكعكة مع كل آكل ولئيم ومرتشٍ وفاسد، وتعمل ليل نهار لنفسك ولعيالك لا لوطنك ومواطنيك، أنت الذي كان عليك أن تكون سدّه المنيع، وحصنه الحصين فإذا بك تخون الأمانة، وتعمل مع من يُريدون النيل منه، لهدم قلعته، فلا أفلحت ولا أفلح من هم وراءك وأمامك.

ألا تخجل أيها المرتشي من مد يدك لتغيير مسار العدالة، وإرساء مناقصة على عملائك، أو لكي تسهّل أمرا، أو تيسّر ظلما، أو تقفز على قانون، أو تبطل تشريعاً، وتمد يدك بكل دناءة لتأخذ مبلغًا قذرا لتطعم به عيالك، وليسري في دمك؟! ألا تخجل من نفسك حين تنظر في المرآة فترى وجهك الذي خان وطنه، واستغل نفوذه، وأمسك زمام الفساد فقاده إلى مأمنه، وسار به إلى حيث يجعل الباطل حقًا، والحق باطلا، فأسست أرضًا خصبة للظلم، فترعرع وانتشر كانتشار النار في الهشيم، حتى بات بعض الموظفين الصغار كبارا بين يوم وليلة، ولم يسألهم أحد من أين لكم هذا أيتها النكرات قبل سنوات.

في وطني يعيش المفسد والصالح على حد سواء، في مكتب واحد، أو حيّ واحد، أو بيت واحد لا يفرّق بينهما أحد، ولا ينتبه لسيماهم بشر، كلاهما يناديان بالوطنية، وكلاهما يرفع عقيرته بالأمانة، وكلاهما يقفان حين يُعزف السلام السلطانيّ، وكلاهما يتحدثان عن الوطن والإخلاص له، الفرق بينهما أن الأول (المفسد) يرتفع رصيده في البنك بين ليلة وضحاها، وتزيد مساحات أراضيه في غمضة عين، ويركب أفخم السيارات، ويسافر إلى بلاد الواق واق كل يوم وليلة، ويتعلم أبناؤه في أرقى المدارس الخاصة، بينما الثاني (الصالح) يُحاول أن يعيش فلا يجد إلا البنوك وديونها، يركب سيارة استهلكها ألف شخص قبله، ويقضي إجازته في ربوع وطنه ليس تشجيعًا للسياحة الداخلية ولكن لقلة ذات اليد، يرتفع رصيد الأول في المجتمع بينما يجلس الثاني في آخر الصف وأحياناً لا يجد حتى مكانا للجلوس فيه.

لو قُطِعتْ يد السارق والمختلس، ولو عُلقت جثث الخونة والمتآمرين على هذا الوطن العزيز في شوارع المدينة، ولو عوقب من يسيء الأمانة بصرامة وحزم، ولو لقي الذين تسوّل لهم نفوسهم السوء بالوطن ما يستحقونه من عقاب، ولو كان القانون هو الفيصل في كل المعاملات الوزارية وغير الوزارية، ولو تساوى المواطنون في الحقوق والواجبات فعلا، لو تم تطبيق ذلك كله، لنظفتْ البلاد، ولاستيقظ العباد، ولما وجدتَ لصًا يمشي في الطريق بلا خوف، ولاعتدل النصاب، ولاعتزل النصابون، ولكسدت بضاعة المُرتزقة من ثروات هذا الوطن دون أن يدفعوا الثمن، لو طُبّق ذلك لصار هذا الوطن أنقى وأرقى وأعز منزلا، وأعظم ركنا..

فقط..اخجلوا من وطنكم حين تهمّون بالإساءة إليه.