هل أنتم جادون في القضاء على الفساد؟!!

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

كل يوم تفوح رائحة فسادٍ جديد، وتخرج إلى العلن قضايا اختلاسات وسرقات وسلب ونهب للمال العام، وكأننا لا يحكمنا قانون، ولا يسود فيها تشريع، ولا يرتدع فيها فاسد، يسرقها حرّاسها أحيانًا، وينهبها أولادها الذين أوكلت إليهم رأسها، فخانوا أماناتهم، ولم يرعوا حرمة وطنهم، واستقووا بمناصبهم، ونفوذهم، وغابت عنهم أعين الرقيب، وتخاذلت عنهم أيادي العدالة، موظفون ومسؤولون لم يروا في البلاد غير منجم لمصالحهم، وزيادة كسبهم غير المشروع، ولم يرعوا غير أنفسهم، ونسوا أنهم مواطنون عليهم مُراعاة حق هذا الوطن، وصون ترابه ومكتسباته.

نحن دولة لا يزيد تعداد سكانها عن المليونين ونصف المليون نسمة، معظمهم من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، يعيشون في بلد غنيّ بالموارد، فقير بالتخطيط والتوزيع، يملك ثروات ضخمة مهدورة، يقتسمه بعض "الكبار" حسب مقاساتهم، ويشرّعون له حسب أهوائهم، ويتداولون الثروات فيما بينهم، يكبرون في بؤر الفساد، ويتكاثرون حين تغفل عنهم أعين الرقيب، وأحياناً أمام عينه ونظره، بينما ينظر إليهم المواطن الفقير بحسرة، لا يُريد سوى تطبيق فقرة منسيّة في القانون تقول: "المواطنون متساوون في الحقوق" الموجودة على رأس النظام الأساسي للدولة، ينظر المواطن البسيط بحرقة وهو يُشاهد ويسمع أنَّ بعض المسؤولين اختلسوا ملايين الريالات من خزينة وطنه الذي يشترك معهم فيه بسمائه ومائه ولكن ليس في ثرواته!

للأسف..هناك بعض المسؤولين أو شبه مسؤولين في مؤسسات مُختلفة حين يصلون إلى منصب يمكنّهم من بسط نفوذهم و"مد أيديهم" يبدأون في "تكوين" ثرواتهم، ونهب كل ما يمر أمامهم بجشع لا نظير له، لا يهمهم في ذلك قانون، ولا شرع، ولا تشريع، وحين يتم افتضاح أمرهم، يكتشف المحققون أن معظم الأملاك والأراضي و"الغنائم" قد تمَّ تسجيلها بأسماء أولادهم، وزوجاتهم، وأقربائهم ـ ولكنها بطرق قانونية ـ هذه المرة، فتنجو الأملاك، ويقضي "المتهم" عدة سنوات، أو عدة أشهر في السجن ثم يخرج للنور، ويُعاود دورة حياته، والاستمتاع "بثروته".

ولكن أعود إلى السؤال الأهم وهو موجّه للمسؤولين الشرفاء فقط: هل تريدون فعلا القضاء على الفساد؟!!..هل أنتم جادّون في مُحاربة هذه الآفة المدمرة للوطن والشعوب؟..أم أنها شعارات تُرفع، وكلماتٌ تُقال بخجل بعيدا عن أرض الواقع؟..إنْ كان الأمر ـ كما تُعلنون ـ فعليكم بأمور جادة وعاجلة كثيرة: عليكم أولاً بمبدأ الشفافية التي نادى بها صاحب الجلالة ـ حفظه الله ـ منذ زمن بعيد، والتي هي أسّ التقدم والنظام في كل دولة..عليكم أن تطلقوا يد الصحافة والإعلام لكشف الحقائق المستورة، لا أن يتم مُلاحقة كل كلمة تكتب هنا وهناك، عليكم أن تسألوا بعض المسؤولين ـ مهما كانت مناصبهم ـ عن سبب ثرواتهم وتضخمها، أن تكتشفوا "اللوبيات" المفسدة الموجودة في بعض المؤسسات، أن تبحثوا عن سر تهافت المستثمرين لتكوين "شراكات" مع بعض المسؤولين مستغلين مناصبهم، أن تلتفتوا إلى الصغار الذين أصبحوا كبارا دون أن يسترعوا انتباه أحد، أن تعيدوا النظر في بعض القوانين والتشريعات التي تجرّم سرقة واختلاس المال العام، ألا تقبلوا شفاعة شفيع في قضية نهب الوطن، وأن تعتبروا كل من يقوم بذلك شريكا له، أن تفعّلوا القوانين الخاصة بتضارب المصالح بين الوظيفة والكسب غير المشروع الذي يتم بسببها، أن تبطلوا كل حيازة غير مشروعة لأراضي الدولة حتى وإن طال الزمان بها، أن تعيدوا رسم علاقة أكثر وضوحاً مع المواطن الذي تثقل كاهله الضرائب والقوانين المعطّلة لمصلحته بينما يرتع من خلالها المسؤولون والتجار الكبار ويلعبون بها، عليكم أن تجففوا "منابع الفساد" قبل كل شيء وما أكثرها.. عليكم بكل هذا وأكثر من هذا، إن كانت النوايا بيضاء كما تتحدثون عنها في اللقاءات والإعلام.

الوطن أمانة، فإذا ضيّع أبناؤه أماناتهم، ضاع الوطن، ولم يبق غير المفسدين يصنعون للشرفاء مستقبلهم.. وأي مستقبل يصنعه الفاسدون؟!!