عائض الأحمد
عندما تتحدَّث وتسترسل في حديثك، ثم يأتي مثل هذا السؤال: ماذا تتوقع من محدثك، هل سيقطع حديثه ويتجاهل من ينصت له، أم يُبادرك لإظهار سيرته الذاتية، أم يُقدم لك الشكر الجزيل إن منحته فرصة الحديث عن نفسه رغم تحاشيه الرد رغبة منه، وتواضعا في عدم ذكر ذلك؟
البعضُ لديه نقصٌ مُركَّب يهب عليه دون سابق إنذار، فمجرد الاختلاف فيما يختلف فيه يظهر لك، وكأنه عالم زمانه وأيقونة عصره، ويرصد كل ما يقال، وكأنه الوحيد الذي يملك شفرة ما وراء الحدث.
كان الجمع على قدرٍ كبيرٍ من التميز قدرًا ومعرفة، وكان النقاش عامًّا ليس فيه طرح علمي، أو شيء يتعلق بتخصص نادر أو ما شابه.
وكما يقال "ربما كلمة قالت لصاحبها دعني"، وكان الجواب مُثيرًا بإثارة من أنت، وكان الرد قاسيا وذا عمق لمن يحترم ذاته (ومن نحن؟).
هذه الفوقية التى تُجرِّدك من أبسط حق لك وهو التعبير عن نفسك دون المساس بأحد الثوابت، ثم يتجرَّأ من في مجلسك ويبادر بسؤال "أحمق"، وكأنَّه سلب رأيك وجعلك مُستمعا جيدا، وهنا ينتهي دورك بتحريك رأسك ذات اليمين تارة وذات الشمال تارة أخرى، إقرارًا منك بجمال وتقبُّل هذا المفوَّه العملاق الذي قزَّم كل من يشاطره المكان، وكأنه يقول الدار داري واليقين حديثي ولا صوت يعلو فوق صوتي.
أمثاله يتصدَّرون المشهد لعلو أصواتهم ليس إلا أمام حديث العقل وصوت المنطق، واحترام الذات، وإنزال الناس منازلهم.
يقول أحد الكبار في القدر والخبرة في الحياة: من عايش وتعايش مع أجيال عِدة عندما تشاهد الرجل "كثير الكلام"، ويستأثر بالحديث رغبة منه في إظهار قدراته، هو يعتقد ذلك، فعليك أنْ تستمعَ له شفقة بحاله، وعند نهاية حديثه لا تُبادره بأى سؤال أو استفسار، وكأنك تقول ها أنا استمعتُ لك ويكفيني منك ذلك.
رجال عابرون.. البعض يترك أجمل الأثر، والآخر ضجيج وصياح لا خير فيه.
---------------------------------
ومضة:
"دعه يقول ما يشاء
ثم تجاهل الرد كي لا تكون صدى لحديثه".