عائض الأحمد
الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع، والقولُ الفصل لا يُؤجَّل، وسيفُ الحقيقة لا يصدأ.
وأنا أقولها شاكيًا، لا لأستجدي عطفًا، بل لأُعلن ما طويتُه طويلًا في صدري:
كنتُ هنا... ولم أعد.
صرتُ ظلًا يسكن وهمًا هناك.
استوطنتُ أرضًا لم أطلبها،
وزرعتُ في تربةٍ لم أخترها،
وسُقيتُ من ماءٍ لا يرويني.
لم تكن تلك الأرض أرضي،
ولا الحصادُ من صنعي،
فلماذا غرستني حيث لا حياة،
وحبستني في وادٍ غير ذي زرع؟
كنتَ تعرف أن لا شيء ينبت هناك،
ومع ذلك، قلتَ: "هي بذرتك، وشأنك ما تفعل".
فهل تُلام البذرة إن ماتت في أرضٍ لا تنبت؟
أم يُلام من دفنها في غير تربتها؟
لا تطلب مني شيئًا بعد اليوم،
فحين زرعتني حيث لا رغبة،
سقط حقُّك في الثمر،
وانتهى فصلك في حكايتي.
ربما لا تُدركه الكلمات، وربما تضلّ مشاعره طريقها بين من لا يُنصت. لكن الحقيقة التي لا تُنكر، أن من يكتب بهذا الصدق، لا يضيع أثره. فبعض الأرواح، حتى إن خذلها القريب، يبقى نبضها شاهدًا على أنها عاشت بكرامة، ومرّت من هنا بشيءٍ يستحق أن يُروى.
الدموع لم تكن يومًا مِدادًا للكتابة، والطريق مسارٌ واحد، العودة فيه مرهقة وشاقة.
لها:
لا تطلبي حصادًا من أرضٍ لم تسقِها بالطاعة،
ولا تسألي عن دفءٍ لم تبذلي فيه قربًا يكفيني،
فمن يزرع الإهمال، لا يحق له أن يحصد القرب.
كنتِ تعرفين أنني لا أنتمي، ومع ذلك فرضتِ البقاء المُرهق.
فلا تعجبي إن صرتُ بعيدًا،
فأنا لم أبتعد... بل تحررت،
ولكن قلبي يهفو ويعود حبًا، لا شيء غير هذا.
شيء من ذاته:
كل ما أراده أن يُفهم... أن يُحترم بصمته،
أن يُؤمن بأن الصادق لا يصرخ،
وأن الثابت لا يحتاج ضوءًا ليرى نفسه.
نقد:
في زمنٍ تموت فيه التفاصيل، قد تبدو هذه الكلمات وكأنها محاولة هادئة للنجاة. إلا أن دورانها المتكرر في فلك الألم دون قفزةٍ نحو أفقٍ جديد، يُبقي النص حبيس المشاعر لا متحررًا منها. الجمال حاضر، لكن التحوّل غائب... وربما هذا الغياب مقصود، لأن بعض الحروف لا تُكتب للعبور، بل لتظل شاهدًا على زمنٍ لم يفهمها.