عائض الأحمد
أحيانًا، لا نحتاج أكثر من ورقةٍ وقلم، لنُخرج ما لا نعرف كيف نقوله، ولا نجد من يسمعه. الكتابة بالنسبة لي ليست موهبةً أتباهى بها، ولا كلماتٍ أزيّن بها الصفحات، بل هي مكانٌ أهرب إليه حين تضيق بي الدنيا، حين أتوه من نفسي، فأبحث عني بين السطور... وأجدني هناك، أفترش الأرض وأرقب السماء في تأمّل لا مثيل له.
في لحظات الصمت، حين لا يعود للكلام طعم، أكتب. لا لأن أحدًا ينتظر ما أقول؛ بل لأن الكتابة صارت المتنفس، والطريقة الوحيدة لأقول: أنا هنا، رغم كل ما تغيّر. كل حرف هو جزءٌ مني، حزنٌ سكنني، أو فرحٌ خجل أن يظهر، أو وجعٌ لا أريد أن أصرخ به، فأهمس به على الورق، وأتلقّفه أنا، ويرتد صداه مَدويًّا: "أنا معك، وأسمعك".
القلم لا يخذلني، لا يحكم عليّ، لا يطلب مني تفسيرًا، فقط يُنصت. هو اليد التي أُمسك بها نفسي حين أشعر أنني على وشك الانطفاء.
تعثّرتُ كثيرًا، وأخفقتُ أكثر، فلم أجد أصدق من لحظاتي الخاصة، أُسامر فيها صفحاتي البيضاء ومدادي الأزرق، حتى فاضت جوانحي وحلّقت عاليًا، أنشد من يستطيع اللحاق بي. هذه حياتي، وهذا حلمي.
أعلم أني لا أطلب كثيرًا، فقط قلبًا يقرأني كما أنا، لا كما يريد أن أكون. بين سطور يومي، كنتُ أتشبّث بحلمٍ صغير، لا يُرى، لكنه يسندني حين يخذلني الواقع. كل تعثّر كان نافذة، وكل إخفاقٍ درس، حتى صارت الصفحات مأواي، والقلم مستراحي.
حين أكتب، لا أهرب من شيء، بل أواجه كل شيء: الألم، الخوف، حتى الحب... أضعه كله هنا، وأمضي. لا أنتظر تصفيقًا ولا إنصافًا، يكفيني أن أترك أثرًا لا يُمحى فيَّ، قبل أن يُمحى اسمي من كراستي الصفراء.
لها: كانت، وستظل، ولن تُمحى حتى يزول الأثر.
وإن عادت سيرتها، سأقول لها: لم أكن على علمٍ بما أنا عليه، حتى دلوتُ به، فمال وامتلأ، وسُقي من حوله، ثم عاد منكسِرًا لمسكنه ودار سعادته الأبدية.
شيء من ذاته: ربما يجد أحدهم بين كلماتي مرآته، أو مأوى صغيرًا لحزنه، وهذا وحده يكفيني.
في طفولتي، كنت أكتب لأن لا أحد ينصت، أما الآن، أكتب لأنني أنا من يستمع.
نقد: وإن جفّ المداد يومًا، سأحفظ بياض الصفحة، لأنه شهدني يوم كنت وحدي... ولم أنكسر.