محمد أنور البلوشي
قبل أن أشرع في كتابة بضع كلمات نابعة من القلب عن غلام حسين شوهاز، لا يسعني إلا أن أستحضر إحدى قصائده الآسرة، التي غناها بصوته الشجي عارف البلوشي. كانت القصيدة مزيجًا نادرًا من العربية والبلوشية، وعنوانها لا يزال يهمس في أذني كأغنية حب منسية: "أنا أحبك... أنت وين؟" تلك العبارة لا تزال تتردد في ذاكرتي، سؤال معلّق بين الحنين والحداد.
في عام 1997، التقيت شوهاز للمرة الأولى. كنت أعمل حينها في فرع السيب للبنك الوطني العماني، عندما دخل بهدوء، كأي زبون عادي، دون أضواء أو شهرة. جاء ليستفسر عن معاملة مالية، على ما أذكر. لم يكن يحمل في حضوره هالة شاعر أو شخصية عامة، لكن شيئًا فيه استوقفني. سكون في نبرته، نظرة تحمل أثقال القصائد التي لم تُكتب بعد. كان يرتدي البساطة كما لو كانت عباءة كرامة.
علمت لاحقًا أنه يسكن بالقرب من منطقة الحيل. حديثه كان ناعمًا كالموسيقى، وبسرعة تحوّل حديثنا من الحسابات إلى الأشعار. ذلك هو شوهاز. كان ينتقل بسلاسة من عالم المادة إلى عالم المعنى. عمل في شركة شل، أحد رموز الرأسمالية الحديثة والصناعة العالمية، لكنه كان يقضي أمسياته ينسج قصائد عن الشوق، والانتماء، والأرض، والروح. سألته ذات مرة، بنبرة مازحة: "كيف توفق بين شل... والشعر؟" فضحك بهدوء وقال: "شل تعطيني الخبز... والشعر يعطيني النفس."
وُلد شوهاز في عام 1957، في قرية "دشت" الواقعة في إقليم مكران، قرب جوادر، التي كانت آنذاك لا تزال جزءًا من سلطنة عمان. من أبرز أعماله ديوان "جلهار"، وهي كلمة بلوشية تعني "الشرارة" أو "بركان"، وهو عنوان مناسب لرجل كانت كلماته تشعل نيرانًا هادئة في قلوب من سمعها أو قرأها.
لم يكن شوهاز يسعى إلى الأضواء، لكن شعره كان يجد طريقه إلى القلوب. في أحد اللقاءات الصحفية، سُئل عن تفضيلاته الأدبية، فأجاب: "أنا أحب كل أنواع الشعر، جيدها ورديئها. لأن الشعر، في جوهره، هو انعكاس لتجربة الإنسان. ورفض أي نوع منه، هو رفض لجزء من أنفسنا."
تلك العبارة ظلت عالقة في ذهني. ثم جاء ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت، كان عام 2007. وصلني اتصال، جملة واحدة فقط، لكنها كانت كالرعد: "شوهاز توفي." تجمدت. الكلمات خانتني. رحل بصمت، كما عاش. وُري الثرى في مقبرة الحيل، على بُعد خطوات من الأماكن التي اعتاد أن يسير فيها، ينشد فيها، ويحلم فيها، ذهبت لأودعه، كانت التربة ما تزال ندية. لا شاهد فخم، لا إعلان رسمي، فقط صمت الأرض يحتضن شاعرًا أنشد لها.
وقفت هناك، وهمست للريح: "أنا أحبك... أنت وين؟ "وتخيلته يبتسم، من وراء الغيب، ممسكًا بدفتر قصائده، يراقب الغرباء وهم يكتشفون المعاني التي تركها خلفه، كما لو أنه لم يغب، قد لا يكون غلام حسين شوهاز قد تصدّر قوائم الأدب، أو مشى على سجاد الشهرة، لكنه عاش في تواضع القرّاء، في أزقة "دشت" الترابية، وفي زوايا مسقط ومكران، حيث لا يزال صوته يُسمع، وكلماته تُروى.
لقد اختار أن يشعر... لا أن يستعرض، أن يحب... لا أن يسيطر، وفي عالمٍ يضج بالضجيج، ربما يكون هذا هو الشعر الحقيقي النادر.