شعبوية شعبية

عائض الأحمد

كثيرًا ما نُحمّل المصطلحات ما لا تحتمله، فنلوذ بتأويلها لنبرر نفورنا منها، أو نهرب إلى الأمام لنختبئ من معناها الحقيقي. ومن بين هذه المصطلحات، يبرز "الشعبي" الذي أصبح -مع الأسف- وسيلة للتقليل والانتقاص لا للتقدير والاعتراف.

في مجتمعاتنا، إذا أردنا أن نُهمّش عملًا، أو ننتقص من فن، أو نستهين بشخص أو مأكل أو حيٍّ سكني، نعته أحدهم فورًا بأنه "شعبي". وكأن "الشعبي" صار مرادفًا لما هو دوني أو غير راقٍ، متناسين أن فيه رائحة الأرض، وصوت الناس، وحكايات الحياة.

حتى منازلنا التي نشأنا فيها، والتي شكلت وعينا وذاكرتنا، صارت تُطلق عليها صفة "شعبيات"، وكأننا نخجل من البدايات. الأعجب من ذلك أن كثيرين ممن عاشوا هذه الحياة البسيطة، صاروا أول من يتعالى عليها بعد أن لمسوا شيئًا من الوجاهة أو التعليم أو المال، يرمون ماضيهم بحجر وكأنهم لم يكونوا يومًا من أهله.

هذه النخبوية الفوضوية تحاول فرض ذوقها ومسلماتها، وكأن لها الحق في إقصاء كل ما لا ينسجم مع معاييرها، فترد كل ما هو "شعبي" إلى خانة البسطاء، وتتنصل منه وكأنه تهمة أو عبء ثقافي.

لكن الأدب الشعبي، والفن الشعبي، وكل ما يحمل هذه الصفة، يظل أقرب إلى النفس والوجدان؛ لأنه صادق، غير متكلف، يعبر عن الإنسان كما هو، لا كما يريد أن يظهر. هو أدب بلا تزوير ولا تصنّع، بلا أقنعة تُفصل على مقاس النخبة، ولا شعارات تُباع لجمهور مستهلك.

وقد آن الأوان أن ننزل من بروجنا العاجية، ونعود إلى موانئ شعبياتنا، لنلمس الجمال الحقيقي في التفاصيل الصغيرة التي كنا نتجاوزها. بل ويحق لنا أن نصف فنانًا كبيرًا بـ"الشعبي" -لا كشتيمة، بل كوسام- دون أن يظن أن في ذلك تقليلًا من قدره.

ولا بد أن نحذر من الخلط بين "الشعبي" و"الشعبوي"، فالأول أصالة وارتباط بالناس، والثاني تسويق رخيص للمشاعر من أجل مكاسب سطحية. "الشعبي" يُنتج من الناس ولهم، أما "الشعبوي" فيتقمص وجعهم ليكسب منهم.

بين شعبي وشعبوي فرق جوهري. لا تخلط بينهما فتضل الطريق، فتتوه وتُضل غيرك، وما أنا عنك ببعيد.

لها: النظر في عينيك يشبه النظر إلى السماء، إن أطلته سقطت وتعثرت أقدامي.

شيء من ذاته: حينما تخطئ ألتمس لك العفو، وحينما أخطئ تعلق لي مشانق الماضي والحاضر وتتنبّأ بالغد.

 

نقد: حينما تقل حاجتهم لك، تختفي مشاعرهم.

الأكثر قراءة