راشد بن حميد الراشدي
في ليلة السادس والعشرين من محرّم من عام 1447 للهجرة، رحل عن عالمنا رجل بأُمّة، ألا وهو الشيخ الجليل الزاهد ناصر بن سالم بن سليم الصوافي، عن عمر ناهز 90 عامًا، حيث قضى جُلّ عمره في طاعة الله وخدمة الناس.
فقد كان معلمًا ملازمًا لعدد من مشايخ العلم والعلماء العاملين، كالشيخ حمود بن حميد الصوافي، والشيخ يحيى بن سالم المحروقي، والشيخ سالم بن راشد الصوافي، والوالد أحمد بن سعيد الصوافي. كما تتلمذ على يد الشيخ حمد القاسمي، والمعلم سيف بن جمعة العامري.
وهو من أسرة عريقة، اشتهرت بالعلم والخُلق الكريم.
في بداية عمره، عمل في المملكة العربية السعودية، وبعد عودته إلى الوطن عُيّن معلمًا للقرآن في قرية الحنظلي بولاية سناو. ثم، مع بداية السبعينيات من القرن الماضي وبزوغ فجر النهضة المباركة، عُيّن معلمًا في مدرسة العيون للبنين، ثم نُقل إلى مدرسة سناو للبنين، حيث عمل فيها طوال سنوات خدمته حتى تقاعده.
وقد عُيّن آنذاك مع نخبة من الأساتذة الفضلاء، منهم الأستاذ زاهر بن حمود الراشدي، وأحمد بن عبدالله الراشدي، وناصر بن سعيد الصوافي، وحمد بن سالم المحروقي، وموسى بن راشد الصوافي.
وكانت زمالته للشيخ حمود بن حميد الصوافي -حفظه الله- والتي امتدت لسبعين عامًا، مصدر فخر له، حيث كان من أوائل من افتتحوا الدعوة مع الشيخ في مسجد الرق بولاية سناو قبل خمس وأربعين سنة.
كان -رحمه الله- يشرف على مكتبة جامع سناو، ويفتتحها كل صباح لزوار الشيخ، حتى أقعده المرض عن القيام بواجبه المعتاد. وقد أطلق عليه بعضهم لقب "حمامة المكتبة وأنيس الكتاب"، إذ كان الكتاب رفيقه الذي لا يفارقه، والمكتبة مكانه الذي يقضي فيه يومه.
كان -رحمه الله- ورعًا تقيًّا، زاهدًا، مصلحًا بين الناس، ربّى أبناءه على نهجه السليم وسيرته الحسنة، والتربية الصالحة التي انعكست على صلاح الأبناء، فكان مثالًا للأب الحنون والمربي.
رزقه الله بولد بارّ، حمل مشعل العلم والدين، ألا وهو الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي، وكذلك بناته الحافظات لكتاب الله العظيم.
اشتهر الشيخ ناصر الصوافي بين أهله في ولاية سناو بسيرته الحسنة، فقد عرفه الكبير والصغير بأخلاقه الرفيعة وتواضعه الجمّ.
رحل، ورحلت معه معانٍ سامية، استقى من أثرها طلاب العلم ومحبوّه ومن عرفه خيرًا كثيرًا.
رحمك الله يا أبا إبراهيم، يا من كنت روح مكتبة جامع سناو، لا تُفتح الكتب إلا بيدك، ولا تُنظّم إلا بنظرتك، ولا تُذكر في حضرة إلا مقرونًا بالمجالس العلمية لفضيلة الشيخ المربي حمود بن حميد الصوافي -حفظه الله.
رحلتَ بصمت، كما كنت تحيا بصمت، معلّمًا، وخادمًا للعلم، ورفيقًا للعلماء، وصديقًا لرواد المكتبة.
فاللهم أجزه عن العلم وأهله خير الجزاء، وارفع درجته في المهديين، واخلف على أهله وأحبابه بالصبر والرضا بقدرك. وهكذا يرحل الأتقياء الأنقياء.