الأحلام الصغيرة لن تنال من روح الانتماء للوطن

علي كفيتان

لقد راجت أسواق الشيلات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعظم شخصيات ليس لديها بصمات في الحياة العامة، إنَّ تمجيد شخص لا يقوم بأي أعمال تساعد الناس أو تقلل من معاناتهم اليومية -سواء عبر توظيف ماله الخاص، أو استخدام نفوذه السياسي- يعتبر بمثابة حرق علني لهذه الشخصية، وستفتح عليه كل العيون لتتبعه كتائب المحتاجين، تذكره بكلمات الشجاعة والكرم التي نظمها أفصح الشعراء، وشَدَت بها أعذب الحناجر، وصورتها أنقى العدسات في شيلة دفع هو مقابلها مقدماً. هذه الحال ستجعل من هؤلاء مثل المتنبئ الذي ذكره خادمه ببيت شعر قاله في تمجيد نفسه، عندما فر من الأعداء وكان سبباً في هلاكه. لهذا؛ وجب التريث أيها الباحثون عن الصيت المجاني في عالم اليوم، فإن الأمجاد جينات لا تكتسب، بل تنتقل وراثيًّا في سلالات نقية تحمي عند الخوف بحد السيف وفتيل البندقية، وتطعم وقت الجوع من حر مالها كثيره وقليله، وتعفو عن الناس ابتغاء وجه الله تعالى.

الأمر ذاته بات وقوداً حماسيًّا لإذكاء الروح القبلية، واستقطاب الأنساب بهدف فرض الهيمنة وتبيان القوة؛ فلا عجب أن ترى مقاطع فيديو مُنمَّقة تنتشر كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي لاستقبال بقايا قبيلتك البائدة منذ آلاف السنين، أتت من سهوب ألاسكا الباردة، وهم يلبسون جلود الرنة على ظهورهم، ويحملون فأساً، وتتوسط جباههم ريشة صقر الشمال، هؤلاء القوم لا يفضلون أكل القبولي ولا المعجين، بل يأكلون الأسماك النية الغنية بالبروتينات، القصائد ستكون حاضرة، ولن تخلو من اسم الجد الذي يجمع الشتات، مُذكرة بالأصل الواحد والانتماء الأزلي، والدول التي قامت وبادت علي يد هذا الفاتح العظيم.

الانتماءُ لا يَعني التنقيب في كتب التاريخ عن جد عظيم.. فتلك أمم قد خلت، فكم هجرات قد تمت، وكم أمم قد بادت، لكن الانتماء الحقيقي هو إلى الأرض وإلى الإنسان، فهما أيقونتان عشنا معهما الحياة بكل تجلياتها، وإذا قلنا إنَّ في السلطنة انتماء عميق للأرض، فنحن صادقون؛ فكل منا يقدم وطنه على أغلى ما يملك. أما الانتماء البشري بمفهومه المعاصر، فقد مضى عليه نصف قرن فقط، أوجد من خلالها جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- أرضية مشتركة كفيلة بصهر معظم الاختلافات في روح انتماء واحدة، شكلت الإنسان العُماني الحديث الذي يرى أن خيار التكامل مع الآخر والتعايش معه هو الكفيل بمستقبل أفضل؛ لذلك تجد العُمانيين اليوم محبين للسلام ومتصالحين مع الجميع، ولديهم القدرة على تلمس العذر لبعضهم البعض مهما تعاظمت الأخطاء.

إنَّ بعث روح انتماءات جديدة تتنافى مع تلك البيضاء الناصعة التي عمل عليها القائد -حفظه ورعاه- طيلة نصف قرن ونجني ثمارها اليوم يعني العودة للواقع المرير قبل بداية النهضة؛ حيث تسود قوانين ظلت تمجد الروح الفئوية والتحالفات الاثنية والمذهبية، وأسفرت عن ركامات هائلة من الجهل والفقر والموت. إن الشيلات التي تمجد روح الفضيلة والانتماء الواحد لعُمان الوطن والإنسان والسلطان، هي التي نريد سماعها، فلن يجدينا نفعاً التشبث برداء القادمين من أصقاع أخرى، وجرهم إلى موائدنا لنستقوي بهم بعضنا على بعض، ولنبين مدى سطوتنا وامتداداتنا اللامتناهية.

ألطف الشيلات حسب رأيي المتواضع هي التي تنظم في مدح العروس، بغض النظر إن كانت من سلالة حام أو سام؛ فكلهن بنات آدم وآدم من تراب، هذه الأبيات تبعث روح السرور في قلبهن الذي يرتجف خوفاً وطمعاً في فارس الأحلام، كما أنها تعلي من شأن الأم التي ربت وسهرت الليالي، وربما يصل المدح للعمات والخالات، وبقية العائلة، وكل ذلك يعتمد على مزاج الشاعر وعمق قريحته.

وفي الختام، نقول لمن دفعوا للحناجر لكي تشدو بهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يملكون رصيدا كافيا في بنك الفضيلة، ارحموا أنفسكم سيكون من الصعب عليكم أن تلبوا التبعات؛ لأن بيوتكم مغلقة ومجالسكم فارغة لا يجد إليها الناس سبيلا.

---------------------

الشيلات: كلمات مغناة بألحان شعبية، معظمها يُقال في المدح والفخر.

alikafetan@gmail.com