علي بن سالم كفيتان
نهارك سعيد يا وطن، منح لنا ظلاله الوارفة، وأمدنا بطاقة البقاء والإحساس بالخلود، وطن عظيم يحب الشروق القادم من الزرقة لتنبثق منه خيوط النور الأولى معلنة ميلاد بحَّار جديد تعوَّد سمعه على طرق وتطويع أخشاب الماهوجني القادمة من عمق الغابة السمراء تدفعها الفيلة إلى الأنهار وتأخذها المراكب إلى خور جرامه، حيث تجد الربابنة على الساحل ينظرون بكبرياء وأنفة إلى المجهول يدفعهم الشغف للاستكشاف وبلوغ بقاع جديدة، يحبون صراع الأمواج ويطربون لعزفها ويمقتون الهدوء والرتابة والسير في ذات الدرب، كل يوم يعرفون أن الناس تنتظرهم على المرافئ البعيدة ليجلبوا لهم خيرات من وطن النور وصنيع إنسانه المكافح أنهم يبيعون عصارة الحضارة ولب الإصرار والجلد على الإنجاز والتميز ويعودون بخيرات الأمم الأخرى عبر البحار إلى ذات الإنسان وإلى ذات الأرض.
نهارك سعيد يا وطن، لم يبخل يوما بعطائه على أبنائه رغم المحل وشظف العيش، فقد صنع الإنسان من الجبال بيوتًا، واستأنسوا المياه القابعة في الأعماق ليقودوها إلى قراهم الرابضة على ضفاف أوديتهم السحيقة، غير آبهين بقدر الجهد والمعاناة التي سوف تواجههم في سبيل ذلك، فلديهم هدف لا بد من تحقيقه، وهو غرز نخلة سامقة على تراب الوطن، لتمنحهم عطاءها كل عام، فنمت البساتين وازدهرت القرى والواحات وباتت أفئدة من الناس تهوي إليها، وتشكل حضارة لا زالت قائمة إلى يومنا هذا، ليزدهر العلم وتزداد حلقات العلماء وتتصاعد تراتيل الصبيان من المساجد الطينية ومن تحت أشجار السدر والعلان وبساتين النخيل الوارفة حتى تبلغ عنان السماء معلنة عن إنسان لا يكل ولا يمل عن عمارة الأرض والانتماء إليها في كل وقت وحين.
نهارك سعيد يا وطن الصحراء الذهبية الممتدة إلى ما لا نهاية، فلا زالت خيمة البدوي راسخة في المفازات والسهوب الصفراء القاحلة، فهم من عاهدوها على البقاء في مناكبها مهما قست الحياة وادلهمت الخطوب فعمروها في أصعب الأوقات، ولم يألفوا غيرها فألفتهم، يدفعهم عطاء بلا حدود لعلمهم بقسوة العيش والبقاء، فيهبون ما عندهم لمن يأتيهم لكيلا يموت الكرم وتنتهي المروءة من مضارب الوطن، واليوم عندما تفجر الخير من ينابيعها هبوا لحراثة ما كان بالأمس يباب، وأسالوا الماء على أرض الخير، فزرعوا على مد البصر كل ما لذ وطاب ليمنحوا للإنسان ميلادا جديدا من عمق الصحراء، هنا لا يتوقف العطاء ولا يخبو الجهد، فالأرض القاحلة بالأمس هي اليوم مصدر الرخاء والنماء لكامل تراب الوطن، فمن أعماقها تتدفق الطاقة الأحفورية منذ عقود، وعلى جبينها الذهبي تدور طواحين الهواء وتُنصب آلاف الخلايا الشمسية لطاقة متجددة من أجل استمرار العيش واستدامة الحياة، فلا يأفل نجم رزق حتى يشرق آخر على تراب هذا الوطن.
نهارك سعيد يا وطن، الفصول الأربعة التي تتجلى على جبين الإنسان وتمنحه المدد للانطلاق من موسم إلى آخر، نهارك سعيد يا وطن، المزارعون الشرفاء الذين تتعفر الأرض بعرقهم كل صباح... نهارك سعيد يا وطن، الرعاة البسطاء يا من تردد الجبال والوديان صيحاتهم لضبط القطعان وإبقائها آمنة... نهارك سعيد يا وطن، الصيادون العظماء يا من يلجون إلى غياهب المحيط كل صباح مع خيوط الفجر الأولى، ويعودون محملين بخيرات بحارنا إلى أرضنا... نهارك سعيد يا وطن، العمال الذي يدبون إلى مقار عملهم كل صباح، ويعودون في الساعات المتأخرة من النهار محملين بالخبز الدافئ والابتسامة الشاحبة إلى بيوتهم وأبنائهم كل مساء.
كل هؤلاء يرسمون اللوحة الأجمل على جدار الوطن، تحفهم عناية الله، وعيون لا تنام، جنَّدت نفسها لخدمة الوطن، رجال ونساء لا تغمض عيونهم، ولا تغيب عنهم شاردة ولا واردة، يمكن أن تعكر صفو الوطن وسلامة أراضيه، وهبوا أنفسهم رخيصة لأجل طهارة التراب وشموخ العلم، فهم يسهرون عندما ينام الجميع، ويذودون بدمائهم الزكية في ظروف لا يتحملها إلى من عاهد الله والوطن والسلطان على حماية كامل التراب الوطني من أيدي العابثين والمتربصين، فنهاركم سعيد يا جنود عُمان وحماة الثغور.... حفظ الله بلادي.