ما أجمل الإنصاف!

وليد الخفيف

بَيْن ليلة وضحاها، وبجرة قلم شجاع، تغيَّرت الأحوال؛ فأصبح الضعيف مُنتصرا بتشريع انحاز له -بعد رحلة عناء ومشقة واستجداء- ليُعَاد الحق لأهله كاملا غير منقوص؛ لتنتهي قصة اللاعب الباحث عن مُستحقاته المتأخِّرة لدى ناديه، دون رجعة، بفضل تشريع يُجيز لاتحاد الكرة وقف مُستحقات الأندية التي تعاني الدين، وتوجيهها لسداد المستحقات المتأخرة منذ سنوات.

لقد كان اللاعب دومًا الحلقة الأضعف في المنظومة الكروية، فلا تشريع يحمي مصالحه، ولا لجان ترعى حقوقه، فما هي سوى "ديكور" يُكْمِل شكلَ الاحتراف غير الفاعل؛ فلا عزاء للجنة شؤون اللاعبين ولا فض المنازعات آنذاك؛ فلا مساعي هذا ولا أحكام تلك إلا حبر على ورق (في حُكم العدم)؛ فالتشريع كان مُفصَّلا لخدمة أناس بعَيْنهم، وتحياتي لإعلاء المصلحة العامة.

فما أصعب أن يطالب اللاعب بحقه، ولا سلاح بيده سوى عقد مُبرم لا يُساوي الحبر الذي طُبِعت به حروفه، فلا سبيلَ سوى الاستجداء من أجل نيل حقك، وما أصعب المشهد الذي وضع اللاعب بين سندان اللوائح الهشة بلونها الرمادي المطاط، والمطرقة الحادة التي تحرم عليه الاقتراب من القضاء العادي، وإلا أُشهرت السيوف، وقضت في أيام بإيقافه من قِبَل نفس اللجنة التي نظرتْ قضيته ومطالبه لشهور وسنين.

بعض الأندية كانت تُدرك قوة موقفها في مسلسل المستحقات؛ فتعاملت مع مطالب لاعبيها بسياسية المفاوضات طويلة الأمد؛ فأظهروا براعة فائقة في المقايضة على قيم المستحقات نظير سداد الفتات، وإلا فأمامك أبواب اتحاد الكرة مفتوحة آناء الليل وأطراف النهار، وعليك أن تتحلى بصبر أيوب وبقوة فرعون لتحريك شكوى لا يكفي الفصل فيها لصالحك لنيل مستحقاتك، بل عليك أن تصطف في طابور طويل ليس له آخر، حصل جميع من فيه على أحكام بنيل حقوقهم، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ.

اتحاد كرة القدم وضع الخيار المتبع "بخصم المستحقات المتأخرة من الدعم الحكومي السنوي" كحل أخير للقضية، التي تفاقمت، فأغرقت معظم الأندية في غيابات الديون؛ فدعاها لتسوية مديونياتها وجدولتها من أجل نيل الرخصة الآسيوية، ولكن تلك الدعوة لم تلق إلا قبولَ البعض، وأصرَّ البعض الآخير على موقفه الرافض للتسوية، أو فكرة السداد من أصلها، بل دعوا للعودة إلى زمن الهواية، وإلغاء كل العقود وأي مظهر من مظاهر الاحتراف.

اليوم.. طويت هذه الصفحة المظلمة، وأشرقت شمس العدل، لتُحيي الآمال بقرار جريء طُبِخَ في وزارة الشؤون الرياضية، ويُحْسَب تنفيذه لمجلس إدارة اتحاد كرة القدم الحالي؛ فالقرار الذي لطالما طالب به أصحاب الحقوق تبدَّد سابقا على أعتاب العلاقات التي تجمع الطرفين عند صندوق الانتخابات.. فما أجمل التدخُّل الحكومي وإعلاء المصلحة العامة!