حقوق البث

 

وليد الخفيف

 

منذ أن ظهر هذا الاختراع الاحتكاري المُسمى بـ"حقوق البث" باتت كرة القدم لعبة لا يتمتع بمشاهدتها سوى الأغنياء فقط، فلا يتابع إثارتها سوى من يمتلك مهرها، فهو مصدر ربح للقنوات المُشفرّة، وعبء على القنوات الحكومية، وبين هذا وذاك، تحوم الشكوك حول عقودها التي كانت سببًا في دخول البعض قفص الاتهام، وسقوط رؤوس أخرى، وحرمان شخصيات من ممارسة الحياة الرياضية بعد التورط في قضايا الفساد!

وبات خلال العقد الأخير من المعتاد تعثر مفاوضات القنوات الرياضية الخليجية الحكومية مع الشركة المالكة لحقوق البث قبيل انطلاق كل نسخة خليجية تُقام، فمع كل نسخة يتكرر المشهد دون حلول ناجعة صريحة تحمل الشفافية وتحقق العدالة في النسخة التالية.

وبلغ التعثر منتهاه قبل أيام؛ إذ لم تتوصل القنوات الرياضية الحكومية الخليجية لاتفاق إلا قبل ساعات قليلة من انطلاق حفل افتتاح كأس الخليج "خليجي 25"، ويعزى الأمر لعدة أسباب أبرزها اتحاد كأس الخليج العربي فهو الأب الشرعي للمشكلة، ومن خلال لائحته المطاطة خرجت الأسباب الثانوية التي كادت أن تصل بالقنوات الخليجية مع الشركة لطريق مسدود.

ومن الإنصاف الإشادة بمسؤولي القنوات الرياضية الحكومية الخليجية واتخاذ موقف موحد أمام تعنت الشركة المالكة لحقوق البث مع إصرارهم على التواصل لاتفاق جماعي عادل، بعدما سلمّها الاتحاد الخليجي للشركة بلا قيد أو شرط فخاضت المفاوضات بلا أنياب أو بنود تستند عليها أو تساعدها للتوصل لاتفاق مالي عادل دون مبالغة.

ومع تعثر المفاوضات بين الجانبين ومساعي القنوات الحكومية للتوصل لاتفاق مرضٍ وعادل ينسجم مع عدد مباريات البطولة، أعلنت إحدى القنوات الشهيرة موافقتها على شراء حقوق البث بالقيمة التي أوردتها الشركة صاحبة حقوق البث، ما وضع القنوات الرياضية الخليجية الحكومية في حرج بالغ أمام متابعيها، فالبعض بدأ في فرض المقارنة متناسيًا الفارق بين قنوات ربحية مشفرة، وأخرى حكومية ليست ربحية ولا تحظى بموازنة مالية مستقلة؛ فمعظم موازنات تلك القنوات مصدرها الدعم الحكومي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يحصل الاتحاد العماني لكرة القدم على عوائد مالية مقابل مشاركته في البطولة؟ الإجابة لا. إذ لا يحصل الاتحاد العماني أو أي اتحاد وطني آخر على أي عائد مادي من الرعاية التسويقية أو حقوق البث أو تحت أي مسمى آخر مقابل المشاركة في كأس الخليج العربي، فالمعمول به أن الدولة المستضيفة وحدها هي المستفيدة من العوائد المالية، إضافة لنسبة من العوائد لاتحاد كأس الخليج العربي، فبيع حقوق البث أو التعاقد مع الشركة الراعية يتم من خلال ثالوث مكون من الاتحاد الوطني للدولة المضيفة واتحاد كأس الخليج العربي والشركة.

ومن المفترض- بحسب اللائحة- موافقة الجمعية العمومية المشكلة من ثماني اتحادات وطنية على العروض المقدمة وبوسعها أيضاً الاطلاع على الإجراءات، ولكن!

 

المعضلة في اتحاد كأس الخليج وليس في القنوات الفضائية الرياضية الخليجية التي تسعى للتوصل لاتفاق عادل، وإن طالتها سهام النقد التي استفادت منها الشركة المالكة لحقوق البث لبيع الإشارة بالثمن المبالغ فيه.

ومع مطلع 2023 لم يعد هذا النظام منسجمًا مع الواقع، فكيف لاتحاد وطني المشاركة دون أن يكون شريكًا في العوائد ولو بنسبة على الأقل؟ وكيف يبيع اتحاد الدولة المضيفة بموافقة الاتحاد الخليجي حقوق البث دون وضع مستوى ربح محدد أمام الشركة صاحبة حقوق البث أو إطار مالي لا يجب تجاوزه؟ وإذا اتفق الطرفان مجازًا، فكيف للجمعية العمومية الموافقة على عقود تضمن للشركة صاحبة حقوق البث وضع القيمة دون مراعاة لأي اعتبارات أخرى؟

ومع مساعي قناة عُمان الرياضية للتوصل لاتفاق عادل وشفاف لشراء حقوق البث، لم يظهر نائب رئيس كأس اتحاد الخليج العربي رئيس الاتحاد العماني لكرة القدم في الصورة! فوجوده نائبًا لرئيس الاتحاد الخليجي كان حريًا به التدخل المسبق لوضع بنود تُبدد المغالاة وتضمن تحقيق العدالة أو مساندة لقناته المحلية بقصد التوصل لاتفاق عادل، أو أن يسعى جاهدًا لتعديل اللائحة التنظيمية التي لا بُد وأن تضمن نسبًا من العوائد للاتحادات الوطنية الأعضاء مع اتحاد البلد المستضيف والاتحاد الخليجي لكرة القدم.

ومع تأسيس اتحاد كأس الخليج العربي في 2016 لم تتغير لوائحه، فما زال يعمل بلائحته التنظيمية لإشهاره كلجنة تنظيمية، فلم يطرأ على البطولة أي تطوير فني، ولم تحقق أي عوائد مالية للاتحادات المشاركة بخلاف اتحاد البلد المضيف.

إن اتحاد كأس الخليج الذي تأسس خلال الأزمة يحتاج لنظام أساسي جديد وليس ترقيعًا للائحة تنظيمية تقليدية تعاني الثغرات، ويتعين على الجمعيات العمومية أن تمارس حقها المشروع الذي يضمن لها الموافقة من عدمها على بيع حقوق البث والرعاية التسويقية.

واتذكر عندما باع أحد الاتحادات حقوق البث لإحدى الشركات إلا أنه رفض تسليم نسبة العائد المقدرة آنذاك بـ30% للاتحاد الخليجي؛ ليدخل الطرفان في مفاوضات انتهت بتخفيض القيمة المتفق عليها، ما يدل على أن الأمر يمضي بالعُرف دون نظام أو لائحة تنفيذية تضبط العلاقة بين مختلف الأطراف.

عتاب: أعتبُ على اللجنة المنظمة عدم تمسكها بالبرتكول المعمول به في مقاعد المسؤولين خلال حفل الافتتاح، فالصورة خلت من البرتوكول وضجت باعتبارات مرفوضة.

وختامًا.. أبارك نجاح حفل الافتتاح المبهر؛ فتاريخ العراق التليد موطن الثقافة والأدب والفنون والحضارة لكافٍ لتوفقها. أما عن بعض المشكلات التنظيمية فرصيدكم كافٍ ويعود سببها للاتحاد الخليجي الذي منح المسؤولية التنظيمية المطلقة للاتحاد العراقي دون مساندة نوعية من لجانه العاملة.