زكاة العِلم

 

سيف المعمري

العِلم من أعظم نعم الله على الإنسان، وقد حث على طلبه ديننا الحنيف، وكان أول ما نزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قوله تعالى:" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"، وقد حث عليه الصلاة والسلام على طلب العلم فعن أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قالَ: (طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ). رواه ابن ماجه، وورد في حديث آخر، إنّ الإنسان سيسأل يوم القيامة عن أربع، وذكر من بينها "وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ".

ولقد أنعم الله على وطننا العزيز "عُمان" قائدا ملهما أعطى قيمة للتعليم ووضعه ضمن أولويات تأسيس الدولة العصرية في بداية عهده الميمون وبناء الإنسان وتعليمه وتثقيفه، فسخر موارد الدولة لبناء المدارس في كل أنحاء السلطنة وحيثما وجد الإنسان فيها، وشيدت المعاهد والكليات والجامعات، وحظي كل إنسان ذكرًا كان أم أنثى بحقه في التعليم، فقال جلالته: "سنعلِّم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر".

وها هو وطننا العزيز يزخر بالكفاءات العلمية في مختلف المجالات، والطاقات الشبابية الوقادة للبناء، والمساهمة برد الجميل للوطن وأبنائه. وفي كل يوم تتكشف مبادرات نوعية؛ فرسانها أبناء وبنات عُمان وهم يكملون مسيرة العطاء لدعم مشاريع التعليم ونقل المعرفة التي أولتهما الحكومة الرشيدة اهتمامها البالغ منذ اليوم الأول من ميلاد النهضة العُمانية المباركة، ولعل من أبرز النماذج التي تستحق الإشادة والذكر تتويج الوالدة زهرة بنت سالم العوفية بالمركز الأول على مستوى الأفراد في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي 2017، وذلك عن مشروع "محو أمية أبناء قريتي مسؤوليتي".

ومن الأهميّة بمكان أن يُحظى أصحاب العلم، والمبادرون بعناية مؤسسات المجتمع، وأن يكون لهم نصيب من المساهمة في رفع مستوى الوعي المجتمعي في مختلف المجالات من خلال احتواء طاقاتهم واحتضان مبادراتهم في نقل ما تعلمونه كل في مجال لأجيال الوطن ووضع إطار لتفعيل مبادرة مجتمعية "زكاة العلم" تحت مظلة مؤسسات الدولة المعنية بالشباب كوزارات الشؤون الرياضية، والأندية، والتنمية الاجتماعية، والتراث والثقافة، والأوقاف والشؤون الدينية، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والمعاهد والكليّات والجامعات، والمجالس المتخصصة كمجلس البحث العلمي ومجلس التعليم وغيرها.

وما أحوجنا اليوم لنستثمر أوقات الشباب فيما ينفعهم من اكتساب المعارف والعلوم في المجالات الحياتية المتنوعة التربوية والعلمية والثقافية والإرشادية والتنمية البشرية والتقنية والفنية ونحوها، ويمكن أن يتم تفعيل مبادرة "زكاة العلم" من خلال تعاون المؤسسات سالفة الذكر، بحيث يتم حصر وبناء قاعدة بيانات لكل الشباب أصحاب المبادرات في كل ولاية، والمجالات العلمية والمهارات المعرفية التي يستطيعون من خلالها أن يفيدوا أبناء المجتمع في ولايتهم أو الولايات الآخرى، على أن تكون تلك المساهمات كعمل تطوعي بحت لا يرتجي منه الإنسان سوى رضا الله والطهارة والنماء والبركة في علمه امتثالا لقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾.

إنّ ما يميز المجتمع العُماني قيم ومثل أخلاقية سامية فالتعاضد والعمل التطوعي وحب التعلم والتعليم من المرتكزات الأساسية التي نهضت بالحضارة العُمانية، وإنّ "زكاة العلم" سيتهافت عليها أخيار هذا المجتمع ولن تكون غريبة في قاموسه، وقد أثبت نجاحها خلال السنوات الماضية من خلال تطوع الكثير من الشباب وفي مجالات معرفية متنوعة لبث الوعي ونشر المعارف في أوساط الشباب، فلنكن معًا، ولنوظف طاقات الشباب من أجل أجيال عُمان، ولنعمل معًا لتعظيم الاستفادة من الكفاءات العلمية وتمكينهم، وتعزيز قيمنا السامية ووضع آلية عمل لاستثمار زكاة العلم في المجتمع.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت..

Saif5900@gmail.com