منظومة "إجادة" بين التنظير والواقع

 

 

سيف بن سالم المعمري

Saif5900@gmail.com

لا تزال منظومة قياس الأداء الفردي "إجادة" حديث الناس في مجالسهم وفي شبكات التواصل الاجتماعي؛ وهو مُؤشر على استياء شريحة كبيرة من موظفي الجهاز الإداري من آليات تطبيقها، وقناعتهم ببُعدها عن المرونة والشفافية والمصداقية والموضوعية والاستدامة والتجديد والابتكار والتمكين والتركيز، وانحرافها عن سمات التكاملية والشمولية والحوكمة.

ورُغم مُضي أكثر من عام ونصف العام على تطبيقها، إلا أنَّ الضبابية لا تزال تحيط بـ"إجادة" في جوانب متعددة منها؛ نُفصِّلها على النحو التالي:

أولًا: صياغة الأهداف في المنظومة تعتمد بشكل كبيرًا جدًّا على اجتهاد الموظف وفي أحسن أحوالها تكون مُتَّسِقة مع المهام والواجبات الوظيفية الروتينية التي حدَّدتها بطاقة الوصف الوظيفي لكل موظف؛ مما يعني توافق شريحة واسعة من الموظفين على نفس الأهداف والنتائج، كما هو معمول به حاليًا في "إجادة" دون وجود تفرُّد.

ثانيًا: غياب المؤشرات الموضوعية لتقييم الأهداف التي يتم صياغتها وآليات إجازتها.

ثالثًا: غياب الرؤية والخطة الإجرائية الواضحة لكل مؤسسة، ومعظم رؤى وخطط المؤسسات مُجرَّد حبر على ورق؛ لعدم وجود رقابة صارمة تتابع وتقيم تنفيذها؛ وهو تحدٍّ كبير يحول دون تحقيق "إجادة" لغايتها.

رابعًا: شُح القيادات في المؤسسات وهو ما ينعكس سلبًا على غياب روح المبادرة وثقافة التجديد والابتكار وبقاء العمل المؤسسي في أيادي مسؤولين يتشبَّثون بالرتابة في إدارة العمل الحكومي، ويؤدون الإبداع والابتكار الذي يُمثل المرتكز الرئيس لتجويد العمل المؤسسي والذي تسعى من خلاله "إجادة".

خامسًا: عدم وجود منهجية واضحة وصارمة لتقييم أداء المسؤولين في كل مؤسسة، الذين وصل الكثير من منهم لمواقع قيادية مهمة، ولا يزال الكثير من لا يجيد التكيف مع ظروف المرحلة الراهنة التي تسعى "إجادة" إلى ترسيخها من خلال مبدأ الحوكمة؛ لتحقيق الغاية الوطنية العليا لتجويد العمل المؤسسي الحكومي.

سادسًا: توزيع الموظفين في مواقع وظيفية لا تتناسب ومؤهلاتهم العلمية ولا خبراتهم ومعارفهم ومهاراتهم العملية؛ مما يعني غياب روح الإحساس بالمسؤولية في هرم المؤسسة أولًا، ويتنافى مع قيم "إجادة" المتعلقة بالعدالة في توزيع الأعمال وبتعظيم الاستفادة من الكفاءات البشرية وتحقيق قيمة مضافة أعلى للمؤسسة باستثمارها الأمثل لمواردها البشرية.

وتأسيسًا لما سبق؛ فإن استياء الموظفين في تطبيق منظومة "إجادة" يعود للأسباب التالية:

1- ترشيح 10% من الموظفين الحاصلين على تقدير "جيد جدًّا" للحصول على تقدير "ممتاز" في كل مؤسسة يتنافى مع مبادئ التمكين وتقدير المجيدين التي تتكئ عليها "إجادة"؛ إذ كيف تبنى منظومة قياس الأداء الفردي على أنَّ 90% من موظفي كل مؤسسة لا يمكن تكريمهم حتى لو حصل عدد كبير منهم على درجة "جيد جدًّا"؟!! فالأصل أن كل موظف يعمل في كل مؤسسة هو موظف مجيد ومنجز وقائم بمهامه وواجباته الوظيفية كما يجب ما لم يثبت العكس، وإن كانت المنظومة والمؤسسة ترى في الموظف غير ذلك؛ فوجوده من عدمه واحد في المؤسسة، وتعظيم الاستفادة منه كموظف مسؤولية المؤسسة وليس مسؤولية الموظف إن كانت تحسن الاستفادة من مواردها!! فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ لو كان عدد الموظفين في مؤسسة معينة 500 موظف، وحصل 400 موظف منهم على تقدير "جيد جدًّا"، وتم ترشيح 10% ممن حصل على تقدير "جيد جدا"، للحصول على تقدير "ممتاز"، فبلغ عددهم 40 موظفاً؛ إذن يحتاج لهذه المؤسسة 10 سنوات على الأقل لتكريم 400 موظف، فضلا عن أن نسبة الحاصلين على درجة "جيد جدًا" سترتفع عامًا بعد عام!!

2- تدخُّل المسؤول في اختيار من يستحق التكريم ممن حصلوا على تقدير"ممتاز" يلقي بظلال من الريبة والشك والمحسوبية وغياب النزاهة والموضوعية؛ لعدم وجود معايير صارمة؛ مما يُنذر بصدامات عميقة في المؤسسة.

3- تضارب المعلومات عن "إجادة" منذ بداية تطبيقها وحتى ساعة كتابة هذه السطور؛ فقد تم إقرار تطبيقها مطلع العام 2022م، ولم يكن واضحًا لا للقائمين على إدارتها في وزارة العمل ولا عند ممثليهم في الوحدات الحكومية الأخرى موعد التقييم، ونوع التكريم وقيمته والفئات المستحقة ونحوها، وكل ما كان يُثار أنَّ العام الأول هو عام تجريبي، ثم يتفاجأ الموظفون في تصريح لمدير منظومة "إجادة" لإذاعة "الوصال" بتاريخ 4 يوليو الجاري؛ باعتماد المقام السامي لتكريم 17 ألفًا من موظفي الجهاز الإداري للدولة الحاصلين على تقدير"ممتاز" للعام 2022م، وقد سبق لمدير المنظومة أن صرح لجريدة "عُمان" في 15 مايو 2022م ".. مع بداية العام المقبل -يقصد 2023م- سيتم ربط الترقيات والمخصصات المالية بأداء مستويات الموظف"، ولم يذكر أنه سيتم منح المكافآت للحاصلين على درجة "ممتاز" في العام 2022م.

4- حديث رئيس فريق التدريب في منظومة "إجادة" لإذاعة "الوصال": "في بعض المواقع توجد أزمة ثقة بين الموظف والمسؤول ويجب أن تُحل داخليًّا"..، مما يؤكد وجود ثغرة في منظومة "إجادة"؛ لمحاولات تطويعها -لأهواء شخصية ضيقة- وجرها للانحراف عن غاياتها السامية، فكيف نضمن لمنظومة "إجادة" -التي يراد لها أن ترتقي بالعمل المؤسسي الحكومي أن تُكتب لها الاستدامة؟!!