مَنْ ينقذ الشباب من البطالة؟

حميد السعيدي

حُوَار قصير مع كِبَار السنِّ، يُعطي العديدَ من القراءات التاريخية للفترة الماضية، والتي من خلالها تستطيع أن تحكُم على الوضع الحالي، والذي أصبحتْ فيه الجهات المسؤولة عاجزة عن إيجاد حلول في ضَوْء تضارب المصلحة العامة مع المصالح الخاصة؛ الأمر الذي جعل قائمة إحصائية الباحثين عن عمل ترتفع بصورة تؤرق المجتمع، وتمثل هاجسًا يُنذر بظهور إشكاليات مُتعلِّقة بارتفاع هذه النسبة.

بالعودة للماضي، وقبيل ظهور النفط، كان العُمانيون يمارسون جميع المهن، فقد مارسوا مهنة الصناعة وأنتجوا سفنًا ما زالت إلى يومنا هذا تمخر عباب البحار، واهتمُّوا بالبناء؛ فكانت القلاع شاهدة على قوَّتهم وفكرهم الهندسي، ومارسوا التجارة وتواصلوا مع مُختلف حضارات العالم، واهتموا بالزراعة وكانت مُنتجاتهم تُصدَّر للخارج، وسافروا بحثاً عن الرزق، واشتغلوا في مهن مُتعددة خارج وطنهم؛ مما يُعْطِي دلالة على أنَّ هذا الوطن يُنتِج رجالاً قادرين على العمل والجد والاجتهاد، ولكن اليوم لا نبحث إلا عن الوظائف الحكومية أو نفترش الأرض وننتظر النصيب.

وُجُوْد أكثر من مليونيْ وافد يعملون في هذا الوطن، يُمثِّل خطورةً كبيرةً على الاقتصاد الوطني، ويستنزفُ خيراته للذهاب للخارج دون الاستفادة منها، ويبقى أبناء الوطن يشاهدون خيراتهم في أيدي غيرهم؛ فكيف نقبل أن يكون مليونا وافد يخدمون مليونيْ مواطن -واحد مقابل واحد- هي النسبة التي لا يمكن القبول بها، فهناك ارتفاع في نسبة البطالة، يُقابلها ارتفاع في نسبة العمالة الوافدة، وهذا مُؤشر خطير له العديد من السلبيات، والتي يجب العمل على وضع إستراتيجية وطنية للتقليل منها، والتي كان معمولًا بها في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديد، ولكنها تم إيقافها بعد ذلك.

فماذا علينا أن نفعل من أجل مُعاجلة هذه الفوضى في قضية العمالة الوطنية، والعمالة الوافدة التي أصبحت مُتحكِّمة في كل شيء؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال، يظهر سؤال أكثر أهمية، وهو: ما هي خطورة العمالة الوافدة على الشباب العُماني؟

المتتبِّع للمشاريع الشبابية وكيف أخفقت؟ أو لماذا تَرَك الشبابُ العُمانيُّ العملَ في قطاع المهن، يعُوْد بالدرجة الأولى إلى عامليْن: الأول هو تحكُّم أعداد كبيرة من العمالة الوافدة في السوق العُماني وقطاع الأعمال الخاصة، والعمل على محاربة الشباب العُماني والقضاء على مشاريعهم من أجل المحافظة على وجودهم في البلد؛ فهم مازالوا يتحكمَّون في الصناعة والتجارة والزراعة، ويعملون على دَعْم زملائهم من ذات جلدهم ومحاربة الشباب الُعماني. أما في قطاع الأعمال في المؤسسات الخاصة، فنجد أنَّ كثيرًا من الوافدين يعملون على ممارسة التمييز ضد الشباب العُماني، وتعرُّضهم للإيذاء؛ سواء بالمعاملة السيئة أو العمل على تكليفهم بأعمال مرهقة، وفي الوقت ذاته يحصل زملاؤهم على الأعمال والمميزات والمكافآت، ويُحرم منها العُماني ممَّا يُشعره بالظلم ويُغادر وظيفته، فهو لا يستطيع أن يقدِّم شكوى رسمية لأنه سيحصل إمَّا على إيقاب الحوافز إذا وجدت، أو النقل إلى منطقة بعيدة عن مكان إقامته، وهذا ما حصل للعديد من الشباب الذين قدَّموا شكوى في المؤسسات القانونية؛ فهم رغم ظهورهم بوجه راقٍ ومختلِف، إلا أنَّ مُعاملتهم للمواطن الشاب تكون أبعد مما يتصوَّرها البعض، خاصة في ظل غياب مؤسسة قادرة على تقديم الحماية للعمالة الوطنية، وهذا يعود لتحكم العمالة الوافدة في الوظائف الرئيسية في هذه المؤسسات.

والقضية الأخرى التي تُواجِه الشباب في أعمالهم الخاصة، هي قضية الروتين المتبع في المؤسسات الحكومية المعنية بإصدار التصاريح والموافقات القانونية، وهي التي قد تأخذ سنوات من أجل الموافقة على مشروع ما؛ فمن يُنفق على هذا الشباب أثناء هذه المرحلة؟ الأمر الذي يدفع الشباب لعدم الخوض في هذه المشاريع والابتعاد عنها، وفي الوقت ذاته هو لا يستطيع العمل في مؤسسات القطاع الخاص لوجود العمالة الوافدة التي تمارس التمييز ضده؛ لذا يُفضِّل الجلوس في انتظار الوظيفة التي تأتي من المؤسسات الحكومية.

وفي ظل هذه التراكمات والارتفاع في نسبة الباحثين عن عمل كل عام، خاصة وأنَّ جزءاً منها من حَمَلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وعدم مقدرة المؤسسات الحكومية على استيعاب إعداد أكبر في ظل استخدام التقنيات الحديثة ووجود فائض في الموظفين، يأتي دَوْر القطاع الخاص والعمل على مُعالجة قضية العمالة الوافدة، خاصة تلك التي تعمل في الوظائف المسؤولة، لا سيما وأنَّ الحكومة تقدم دعما كبيرا للقطاع الخاص، وعليها العمل على التعامل مع المؤسسات من خلال هذا الدعم، إلى جانب العمل على إيجاد نظام البوابة الواحدة التي تتيح للشباب الراغبين في إقامة مشاريعهم التعامل معها؛ مما يُساعدهم على سُرعة إنهاء الإجراءات الإدارية، وإنشاء معاهد استشارية وتدريبية تقدم التدريب والاستشارة للشباب من أجل تدريبيهم على إقامة المشاريع وكيفية مواجهة التحديات، والعمل على إيجاد مؤسسة تقدم الحماية القانونية لمشاريعهم، ومواجهة العمالة الوافدة التي تعمل على إقصاء المشاريع الوطنية.

وهذا الأمر يعود إلى أنَّ جزءًا كبيرًا من المشاريع التي يمتلكها المواطنون والوافدون شركاء بها، بالواقع هي مشاريع بالكامل للعمالة الوافدة، والمواطن يحصل على جزء من الأرباح مقابل الاسم فقط؛ وأن جميع هذه التصرفات من أجل حماية أموالهم ومشاريعهم؛ لذا فلا ريب أنْ تكون هناك محاربة للمشاريع الناهضة؛ الأمر الذي ينتج عنه خسارة لهذه المشاريع لأنها لا تمتلك القوة والدعم الذي تحصل عليه المؤسسات التي تديرها العمالة الوافدة؛ فهي أيضًا تعمل ضمن منظومة التكتلات الاقتصادية مما يمنحها قوة كبيرة في التحكم بالسوق العماني.

هذا كله يدعونا إلى ضرورة إيجاد إستراتيجية وطنية للنهوض بالمشاريع الوطنية، والتي يمتلكها المواطن بنسبة 100%، والعمل على تفعيل القرارات والتصوُّرات التي صدرت عن الندوات الوطنية التي عُقِدت خلال السنوات الماضية، والتي وَضَعَت رؤية حول العمل في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

Hm.alsaidi2@gmail.com