المسؤولية الاجتماعية للشركات.. هبات موسمية أم نهج مستدام؟!

 

 

د. سيف بن ناصر المعمري

إنَّ الخطاب الذي توجهه فئات مُتعددة من المسؤولين والكتاب خلال هذه الفترة يُركز على المسؤولية الاجتماعية لدى المُواطنين، باعتبارهم أهم قوة للنهوض بالتنمية، لكن الخطاب الموجه للتعبير عن المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات من قبل هؤلاء نجده ضعيفاً جداً، على الرغم من تزايد الاهتمام العَالمي بهذه المسؤولية نتيجة الأضرار التي تُحدثها  الشركات عادة إما بالبيئة أو بالمُواطنين، وبالتالي نحن في أمس الحاجة إلى إعادة النظر في هذا الخطاب حتى لا نجعل الطرف الأضعف اقتصادياً هو المطالب بالتعبير عن مسؤولية اجتماعية تفوق عادة إمكاناته، في حين نعفي الطرف الأقوى اقتصادياً من التعبير النوعي عن هذه المسؤولية الاجتماعية، ونستمر في تقديم الدعم بشتى أنواعه لهذه الشركات رغم تعبيرها الضعيف عن واجباتها تجاه المُجتمع، ونقلص الدعم الموجه إلى أفراد المجتمع ونظل نُطالبهم بضرورة التعبير عن المسؤولية الاجتماعية، وأحياناً نُخرجهم من دائرة الوطنية نتيجة مطالباتهم ببعض التمكين الاقتصادي والمعرفي الذي يمكنهم من لعب أدوارهم الوطنية والمُساهمة في تنمية مجتمعاتهم المحلية، فكيف تستقيم مثل هذه المعادلة؟ ولماذا يُبث مثل هذا الخطاب بشكل يومي من خلال القنوات الإعلامية التي لا تعرف من منظومة المواطنة إلا المواطن لتتلو عليه قواعد المسؤولية، ونوعية الواجبات المرغوبة.

 

السؤال الآن ما المقصود بالمسؤولية الاجتماعية التي نتكلم عنها في هذا السياق؟ هل هي مُجرد التَّبرع ببعض الأموال لفئات من المُجتمع؟ أم هي التزام طويل الأمد يسعى إلى تحقيق هدف طويل الأمد هو تنمية المجتمع؟ لو رجعنا إلى تعريف البنك الدولي للمسؤولية الاجتماعية نجد أنَّها تعني "التزام أصحاب النشاطات الاقتصادية بالمُساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد"، وفصلت المفوضية الأوروبية في تعريفها حيث حددت أنّ المسؤولية الاجتماعية هي نشاط تطوعي يُركز على قيام الشركات بالتركيز على اعتبارات اجتماعية وبيئية في أعمالها"، ويذهب مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة إلى تعريف أكثر عمقاً، وأكثر تحديدا للمسؤولية الاجتماعية التي نتوقعها من الشركات حيث يرى أنَّ غايتها هي "الالتزام المستمر من قبل مؤسسات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية" للجميع، والالتزام الأخلاقي هنا مبدأ يجب أن تُحافظ عليه الشركات فلا تُساهم في إفساد الحياة الاقتصادية بالرشاوي والاحتكار والغش، ولا تقود إلى تلويث البيئة نتيجة هروبها من الضوابط والقواعد، أو أنها تضعف من هيبة القانون والتزام الناس به نتيجة تحايلها وعدم التزامها به، أو أنها تنتهك حقوق الإنسان نتيجة ممارسات تعسفية مع العاملين في التوظيف، فتمارس الإقصاء أو التهميش لفئات معينة.

إنَّ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في أيّ دولة يرتبط بعاملين، الأوَّل يتعلق بالشركات نفسها، والآخر يتعلق بالحكومات ونوعية المؤسسات التي يمتلكها المجتمع، يتمثل العامل المرتبط بالشركات في رغبتها في إظهار التزامها بجانب أخلاقي تجاه المجتمع بدلاً من التركيز على الربح المادي وتوظيف أعداد من العمالة الوطنية فقط، خاصة إذا تلطخت سمعة الشركة بقضايا مُرتبطة بالرشاوي، أو تلويث البيئة، أو غش المستهلكين بمواد غذائية منتهية الصلاحية، هنا تنقسم الشركات إلى قسمين، فريق يسعى إلى تلميع صورته لدى المجتمع وجمهور المستهلكين بينما يصر فريق آخر على تجاهل المُجتمع ولا يعطيه أية أهمية، ويواصل عمله دون أيّ محاولة لتحسين تلك الصورة، وما يحكم اتجاه كلا الفريقين هو العامل الثاني المتعلق بالحكومات والمجتمع والذي يتمثل في وجود جماعات ضغط قوية داخل المُجتمع مثل جمعيات حماية المستهلك أو جمعيات نسائية أو جمعيات المعاقين أو جمعيات بيئية لمكافحة التلوث أو جماعات أكاديمية تشتغل على كشف ما تقوم به هذه الشركات أو جماعات إعلامية قوية تسعى دائماً إلى إظهار المعلومات والحقائق والممارسات التي تقوم بها الشركات وتؤدي على المدى الطويل إلى الإضرار بالبشر والبيئة التي يعيشون فيها، وهذه العامل الأخير هو الدافع وراء تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية في أوروبا وأمريكا بدءًا من ستينيات القرن العشرين حتى اليوم، وبالتالي هو أيضًا السبب الذي قاد إلى تباطؤ اهتمام الشركات بهذه المسؤولية حيث لا توجد جماعات ضغط داخل المجتمع تدفع بالشركات إلى تحسين صورتها، وما يوجد من جمعيات مدنية بسيطة هنا وهناك منشغلة بنفسها وانقساماتها، وفعالياتها البسيطة التي تُقيمها خلال السنة، وبالتالي تنسى في كل ذلك رسالتها المدنية السامية تجاه المجتمع.

 

ما واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات في عُمان؟ هذا السؤال الذي نحتاج إلى طرحه في هذه المرحلة، من أجل الدفع قدمًا إلى تطوير هذا الالتزام الأخلاقي تجاه المُجتمع لدى هذه المؤسسات الاقتصادية الخاصة، بما يحقق مكاسب اجتماعية ووطنية تتلاءم مع الإيرادات أو الأرباح التي تحققها هذه الشركات، إنّ نطاق التعبير عن هذه المسؤولية واسع جدًا، فهذه إحدى المؤسسات الاقتصادية تمحور مسؤوليتها حول عدة أنشطة منها: التعليم والتدريب وإنشاء مراكز بحث ومكتبات الطلبة، وتنظيم حملات توعية صحية، ورعاية الأنشطة الرياضية الوطنية، وبرامج التوعية من مخاطر الاقتراض، والتوعية من أجل سلامة البيئة، والحفاظ على الآثار، وبالتالي نلاحظ عدم وضوح عوامل المنهجية والتخصصية والاستدامة في ما يُقدم من برامج وربما الأمر ينطبق على شركات أخرى خاصة في ظل عدم توافر بيانات دقيقة عن الأنشطة التي تقوم بها هذه الشركات، أو خريطة واضحة توضح للمجتمع ما تقوم به مُختلف الشركات تعبيرا عن التزامها الاجتماعي والأخلاقي تجاه المجتمع.

 

إن تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحقيق أعلى استفادة للمجتمع ومختلف فئاته، يتطلب تقريرًا سنوياً يوضح ما تقوم به مختلف الشركات في برامجها مصحوبًا بالأدلة، يمكن أن يصدره مركز عُمان للحكومة والاستدامة، كما يتطلب أيضًا القيام بأبحاث مُتعددة حول هذا المفهوم، ومنها المشروع البحثي الذي يقوم به أحد الباحثين في جامعة خارج السلطنة والذي يأمل أن تدعم مشروعه بعض هذه الشركات تأكيدًا لهذا البُعد، كما نأمل أن يخصص التلفزيون والقنوات الإذاعية والصحف مساحات لنقاش هذا المفهوم وتطوره وممارساته سعياً إلى الارتقاء به ليكون أكثر استدامة ونفعًا للمجتمع.