د. سيف بن ناصر المعمري
نتأمَّل ما مر هذا العام على العالم، ونحن جزء منه، وندرك أنَّ هناك كمية خوف بُثَّت من قبل وسائل العالم كانت أكبر من أي وقت مضى، وارتبط هذا الخوف بجائحة كورونا ومخاطر الإصابة بهذا الفيروس الذي لسان كل إنسان يقول لو كان رجلا لقتلته، أو كان مرتبطا بالتوابع الاقتصادية لهذه الجائحة التي أرهقت الدول والأفراد ودفعت الجميع للخوف من الركود الاقتصادي طويل الأمد.
لقد كانت جرعة الخوف التي تعرَّضنا لها من القادم المجهول أكبر من أي جرعة عايشها جيلنا، وارتبط هذا الخوف بإجراءات اقتصادية متزايدة من أجل إيجاد توزان على مستوى وطني، طالت الجميع بغض النظر عن مستوياتهم المالية، وأمانهم الوظيفي، وقدرات صمودهم في وجه هذه العاصفة التي جعلت الأفراد والدول أشبه بسفينة تتقاذفها أمواج بحر عاتية، لكنهم يدركون أن خوفهم لن يقود إلى السلامة كما يقال في المثل الشعبي "من خاف سلم"؛ فهم يدركون أن لديهم ثلاث خيارات مهمة للنجاة؛ وهي أما المحافظة على توزان السفينة، أو التمسك بأحد أجزائها لو تحطمت، أو مصارعة الأمواج والسباحة للوصول إلى الشاطئ الآمن، وهو ما ينطبق على ما يجري خلال العام الذي أشعر البعض بخوف وخيبة أمل كبيرة من تحسن الأوضاع الاقتصادية في ظل ما يجري، وفاقم هذا الشعور ما تبثه وسائل الإعلام من تقارير وتحليلات وأعمدة غارقة في اليأس، وتحجيم الفرص، ومحاصرة الأمل من الغد، في عالم لا يعرف الثبات، بل يمضي كما تمضي الطبيعة بين منحنيات ومرتفعات، ونحن من أكثر الناس في هذا العالم إدراكا لهذه الجغرافيا، نعايشها يوميا بين صعود وهبوط، والاقتصاد والسياسة والحياة ليست استثناءً من هذه القواعد الطبيعية.
لو تأملنا في هذا العام -الذي يُوصف بالعام الكارثي- لوجدنا أنه عام الأمل، وربما يستغرب البعض من هذا الوصف، أو يستنكره في ظل كل ما يجري، ولكن هذا العام هو العام الذي خرج فيه القرار التنموي من حالة ركوده، وما أخذ فيه من قرارات تأخر اتخاذها لمدة تزيد على ثلاثين عاما؛ حيث إنَّ ما جرى ليس ترتيبا لمكونات الصندوق التنموي إنما تمت عملية استبدال كاملة لهذا الصندوق الذي لم تفلح التحسينات الجزئية والمرحلية في تحسين أدائه خلال الفترة الماضية، ولنا أن نتخيَّل لو أن ما اتُّخذ هذا العام من قرارات اتُّخذ في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كيف كان المسار التنموي؟ ربما كثير من المعادلات المطروحة الآن ستكون مختلفة في أطرافها، وربما بعضها لن يطرح في هذا العام، فدوران حركة التغيير الكبيرة والسريعة في بداية عهد مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يعطي مؤشراً على الأمل في الغد، ويوسع من مساحات التفاءل بالمستقبل، ويحاصر من دوائر الخوف التي تبث هنا وهناك حول الوضع الاقتصادي في بلد لا يزال لم يستثمر إلا مورد أو اثنين من موارده الطبيعية، فكيف إذا توسعت دوائر التغيير والمرونة في الفكر التنموي وتم التقدم بسرعة لاستثمار بقية الموارد؟!
إنَّ الخوفَ شيء طبيعي، لكنَّ خيبة الأمل في ظل مقومات كتلك التي نتمتع بها هو الشيء غير الطبيعي، نحن لا نتكلم عن ثورة اقتصادية مستحيلة في بلد لم يذكر التاريخ اسمه إلا مقترنا بالغنى الاقتصادي، والقوة السياسية، والمرونة في التعايش والتفاعل، وتعلم العيش بسعادة في ظروف متقلبة دائما من خلال الاهتمام بالشؤون الخاصة، والابتعاد قدر الإمكان عن مشكلات الآخرين، وهذه المقومات التي لا تزال محركا لثورة الأمل التي يترقبها الجميع من العهد الحالي، وهي ثورة بدأت ملامحها بالقرارات الجريئة التي اتُّخذت خلال هذا العام، وهذه القرارات لم تقتصر على التوزان المالي، وإلا ستكون ظرفية ووقتية، لكنها أكثر ارتباط بالخروج إلى أفق تنموي مختلف يتلاءم والطموحات التي وضعت في رؤية عمان 2040، التي تعد جواز الأمل العماني إلى العقود المقبلة من القرن الحادي والعشرين.
خائبو الأمل هم الذين لا يجيدون النظر إلى الأمام، أما الذين لا يعرفون إلا النظر إلى الأمام فهم يدركون أننا في عام كان مفصليا في تاريخنا المعاصر، وأن ما جرى خلاله هو أكبر مما قد يجري خلال عام واحد، فهو عام الولادة الجديدة، وإن كانت هذه الولادة من رحم أزمة عميقة، إلا أنها ولادة تحمل دلالات ومؤشرات لغد مختلف، شريطة توسعة دوائر استثمار الممكن من الموارد التي ظلت تنتظر قرارات لسنوات طويلة، وهذا هو أوانها، فعن أي خوف نتحدث؟