بيان وزارة الشؤون الرياضية.. الماء الأبيض!!

 

 

 

 

الرؤية ـ المعتصم البوسعيدي

 

منذُ زمن لا أذكره بالتحديد كتبتُ موضوعاً لأحد المُنتديات عنوانه "كُلنا يرى الماء أبيض"!!، ولا بأس أن استحضر بعضاً منه ـ بتعديل بسيط ـ وفق ما شاهدته وسمعته في بيان وزارة الشؤون الرياضية في مجلس الشورى والحديث الذي دار تحت قبته الغراء.

لا شك أننا ندرك أنَّ لون الماء أبيض كرمز للوجودِ، وكيف لا؟!؛ فحيث يوجد الماء توجد الحياة، ولا ريب أننا نعلم أنَّ لون الماء أبيض قرينًا للنقاءِ، وكيف لا؟!؛ فحيث يوجد الماء يمكننا أن نغتسل به، ولن نختلف إن قُلنا إنَّ لون الماء أبيض تعبيرًا عن الصفاءِ، وكيف لا؟! فحيث يوجد الماء نستطيع طرد بقايا الغبار، فهل نتفق إذًا على لون الماء؟! أنا أؤكد أننا سنتفق على أن الماء لا لون له، لكن الكلمات المُعبرة عن لونه الأبيض جميلة جدًا، إنما تبقى كلمات غير صادقة ـ لفظيًا ـ لوصفها لون الماء بالبياض، وعلى هذا يُقال ويُقاس "الكلام الجميل ليس بالضرورة صادقًا، لكن الكلام الصادق هو بالضرورة جميل، وما أجمل أن يجتمعا"، وكذا بيان الوزارة ـ دون تشكيك في مصداقيته ـ كالماءِ الأبيض في تصويرهِ لا كالماء الذي لا لون له في حقيقتهِ، والسؤال.. لماذا؟!.

 

لقد جاء في بيانِ وزارة الشؤونِ الرياضية تعداد لإنجازات العام 2016م "أحرزت المُنتخبات الوطنية (176) ميدالية ملونة في مُختلف الرياضات" وللعلمِ إنّ هذا العام شهد إقامة دورة الألعاب الأولمبية التي خرجنا منها "برفرفة" علم المشاركة لا غير، وبذلك ـ وكما قال أحد أعضاء مجلس الشورى ـ نحن إحدى "ثلاث دول لم تحقق في تاريخها ميدالية أولمبية على مستوى العالم"، على أنَّ لغة الأرقام كانت حاضرة بقوة في بيان الوزارة؛ حيث يوجد (11) اتحادا و(17) لجنة منها لجان تخص رياضة ذوي الإعاقة، وقد بلغ الدعم المالي المُقدم لها في العام المنصرم ما قيمته (10,1) مليون ريال عُماني، والوزارة وفرت (31) مركز تدريب استهدفت (6) لعبات مارسها في العام 2016م (1250) رياضياً بزيادة بلغت ما يزيد عن (%50) عن العام 2015م، فيما قام بتدريبهم عدد (62) مدرباً، وبالبلاد يوجد (10) مجمعات وإستادات رياضية مهيأة بالمواصفات الفنية والدولية قادرة على استضافة البطولات القارية والعالمية، وستزداد البنية التحتية خلال السنوات القادمة بوجود مشاريع قيد التنفيذ ستخدم مُحافظتي شمال الشرقية وجنوب الباطنة، علاوة على مضامير الخيل والهجن، والأندية العُمانية بلغت (44) نادياً، تحصلت على مكرمات سامية "أراضٍ بمنطقة غلا، ومبلغ مائة ألف للاستثمار، ومليون ريال عُماني للبنية الأساسية والتجهيزات" كل ذلك وأكثر كان محل رضا الوزارة عن الرياضة العُمانية وارتياح لما تحقق وفق سياق النقاش في مجلس الشورى.

 الرد والطرح من قبل سعادة الأعضاء هو الآخر ترجمته لغة الأرقام خاصة فيما يتعلق بالدعم المُقدم للأندية والميزانية المرصودة للوزارة التي قفزت من (23) مليون في العام 2010م إلى (37) مليون في العام 2014م، وانخفضت هذا العام إلى (30) مليون في ظل الأزمة الاقتصادية، وركز النقاش على حلقة مفقودة وضبابية الحقيقة في علاقة الوزارة مع الاتحادات والأندية وحتى الفرق الأهلية، وعدم وجود رؤية مُستقبلية وأهداف واضحة، فيما طارت أماني مُعلقة بالأكاديمية الرياضية ومركز التدريب بالجبل الأخضر اللذينِ تم تأجيلهما لكلفتهما العالية، بعد "رميهما" في غياهب "الدراسة"، ونحن على أيّ حال لسنا في زمن "الأنبياء"! فيما حملت تساؤلات رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى مقارنة بين "البكاء على الأطلال" في "زمن الطيبين"، "وخفي حنين" في عصر "المُترفين"!، ومع رضا معالي الوزير وعدم رضا الأعضاء، تاهت مراكب الوسط الرياضي في بحر المد والجزر، فكيف الخلاص؟!.

 

يتلخص الخلاص ـ باختصار شديد ـ في قرار سياسي يضخ مالا وفيرا لقيادات ذات كفاءة عالية مُنتخبة ـ بطبيعة الحال ـ حتى لا يكون هناك تعارض مع المواثيق الدولية وهنا يكمن دور وعي الجمعيات العمومية، مع ضرورة المراقبة والمحاسبة، والبدء التدريجي المُتسارع لخصخصة الأندية، والالتفات الجدي لصناعة الرياضة؛ بإيجاد منتج رياضي يرفد الميزانية العامة للدولة ويكون أحد حلول تنوع مصادر الدخل، وقد ذُكر في نقاش الشورى رقم (73) مليار قيمة صناعة الرياضة بالولايات المُتحدة الأمريكية، والرياضة وإن كانت تعني الممارسة لكنها يجب أن تمارس بمنطق الاحتراف وليس صحيحًا "أن العقل السليم في الجسم السليم" فكم من عُقول سليمة في أجسام ليست كذلك والعكس صحيح!، وقبل كل ذلك ـ أعتقد ـ ثمّة خطوة مُهمة يجب وضعها كأساس للتغيير والتطوير؛ "الاعتراف" بأن رياضتنا واهنة ابتداء من البُنى التحتية وحتى الميدالية الذهبية، "والحمد لله" هي ليست القناعة بالمتغيرات بل بالثوابت ولا تعني بأيّ حال من الأحوال التوقف؛ بل الاستمرارية الدائمة، وبياض الماء وإن كان جميلاً، لكنه ليس كعذوبة الأصل وإن كان لا لون له!!.