تجديد الخطاب الديني

عبدالله العجمي

لا مناصَ لدينا إن أردنا إخراج عالمنا الإسلامي من النَّفق المُظلم الذي يسير فيه الآن إلا تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع التطور والطفرة الهائلة التي إن لم نلحق بها فلن يكون لنا مقعدٌ للصدارة بين بقية الأمم .. خطابٌ يجب أن يكون منضبطاً، واعياً، مُنفتحاً، وسطياً يستقطب القاصي إليه قبل الداني.. خطابٌ يتم توجيهه لعقل الفرد المُسلم قبل عاطفته، وهو منهجٌ أوضحه المولى عزّ وجلَّ فى كتابه العزيز حين قال: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". منهجٌ يعتمد على مبدأ أن ما اختُلف فيه من مسائل مُختلفة بين طوائف المسلمين؛ هي ظاهرة طبيعية بل وصحية نظراً لتعدد المدارك وتباين فهمها كلٌّ حسب فهمه وتحليله واجتهاده، وليكُن هذا المبدأ منطلقاً لتأليف القلوب وتوحيد كلمة المُسلمين.. فتباين اجتهاد العلماء يدل على سماحة الإسلام وسعة تشريعه، ليكون منطلقاً للتآلف والتَّعايش لا التَّنافر والتَّنابز.!

وقبل أن تتبلور فكرة هذا المقال وخلال صياغة كلماته وجُمَله كنت موقناً – ومثلي كثير- أنَّ شعوبنا الإسلامية والعربية غنيّة وزاخرة بمن هو جدير بارتقاء هذه المنابر ليقودوا عجلة تغيير هذا الخطاب والارتقاء به.. فقد كان إلى وقت قريب وقريب جداً يتم قيادة المُجتمعات من قبل المفكرين والعلماء ولكن وفي الوقت الحالي ومن خلال استقراء الأحداث خاصة بعد الثورات العربية بات لي واضحاً أنَّ الشعوب يمكنها أن تقود عجلة التغيير، في المجال الفكري على الأقل.. وذلك بتوحيد المسار وتحديد الهدف والعمل على تحقيقه..

ولكي يستطيع أن يشقّ هذا التغيير في الخطاب طريقه وحوله هذه المستنقعات التي نفّرت العالم من الإسلام وشوَّهت رسالته في أذهان الكثيرين.. يفترض ألا يبقى مجرد شعار حاله حال ما سبقه من مُبادرات.. فلا بد أن تسبقه خطة ممنهجة ومشروع عملي مجدوَل زمنياً كي لا يُصبح مجرد مهدئات لِعِلّةٍ استفحلت بجسد هذه الأمة.. ولكي يستقيم أمرها فليقدّم الدعاة نموذجاً حيًا في التعايش السلمي والتوافق المعيشي.. والأهم من كل هذا أن تكون لديهم الجرأة لتوجيه أصابع اتهامهم لمروّجي الأفكار المتشددة وفضحهم على الملأ وتبيان خطأهم وإعوجاج منهجهم..

وإنه ليؤلمنا أن نعيش في زمنٍ يُبجَّلُ فيه الجاهل المتنطّع ويُتَجاهل فيه العالم الورع التَّقي.. زمن أصبح يولغ فيه مجاهيل في شرع الله.. وما يؤلم أكثر أن لهؤلاء المجاهيل قنوات تدعمهم ويبثون منها سمومهم ويوزعون من خلالها صكوك الغفران لمن يتبعونهم دون غيرهم.. فأصبحت هذه القنوات تُفرق عن دين الله أكثر مما تؤلّف حوله.. ينساب من شاشاتها مياه أشبه بمياه المجاري تُزكم الآذان قبل الأنوف.. ألا يقودنا ذلك إلى ضرورة فلترة الخطاب الديني وانتقاء الأفواه التي تلقي هذا الخطاب.. فإذا كانت كتب التاريخ والتراث خاضعة للنقد والتقييم مهما كان المؤرخ حيادياً.. لصعوبة نقل الحقيقة كاملة لعدم الإلمام بكل الحقائق ما ظهر منها وما بطن.. فما بالكم بتوهمات وشطحات البعض ممن يدّعي العلم في زمننا هذا؟!

أين هؤلاء الدعاة من قوله تعالى" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني"، وأين هم من قول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا، هلك المتنطعون، إن أحبكم إلىَّ وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلىَّ وأبعدكم عني مجلسًا أسوأكم أخلاقًا"، أفلا يكونون بمقام يليق بعظمة رسالتهم فيبنون قبل أن يهدموا، ويوحّدوا قبل أن يشتّتوا، ويجبروا قبل أن يبتروا.. فالاجتماع على شيء ولو بسيط من الكمال خير لنا من الاختلاف على تمام تحققه فينا بأكمله، إننا أحوج ما نكون إلى حملات ذات توجّه واضح لنقد وتقييم الخطاب الديني والمجاهرة بنقد الأفكار الدخيلة والضالة ومن يدعو لها.. ولنوقن أن السكوت عنه ليس إلا مغامرة بأمننا وأمن بلداننا..

[email protected]