الشائعات والتضليل الإعلامي

 

 

عبدالله العجمي

 

السامريّ.. هو رجلٌ من أصحاب نبيّ الله موسى عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام، خلّد القرآن الكريم قصته التي تفيض عبرة وكل قصص القرآن عِبر، لأهميتها ولعلم الله بتكرارها على مرّ العصور، حيث يذكر القرآن أنَّه خرج مع من خرج من بني إسرائيل بمعيّة موسى عليه السلام هاربين من بطش فرعون إلى منطقة سيناء، وشاء الله أن يذهب الكليم موسى لميقات ربه لكي يتسلّم الألواح، ألواح التوراة؛ حيث كان من المفترض أن يستمر غيابه ثلاثين يوماً، لكن شاء الله عزّ وجلَّ أن يمدّدها لتصبح أربعين يوماً.

حينها استغلّ السامريّ الأمر وقرر بثّ الشكّ في قومه وإثارة القلاقل بأسئلة تتمحور حول سبب تأخّر موسى، وغيابه وربما موته، ولم يقف السامريّ عند هذا الحد بل تطوّر إلى إقناع نساء بني إسرائيل بتسليمه ذهبهن، ولكونه أحد الصاغة فقد صاغ هذا الذهب وشكّله على شكل عجل ذي فتحات، فكان إذا دخل الهواء من فتحة أصدر صوتاً كصوت الثور الحقيقي، وحين كثُرت الأسئلة عن ماهيته، استطاع بأسلوبه أن يُوهِم بني إسرائيل أنَّ هذا هو رب موسى، حتى افتَتنَوا به، تعاظم هذا الافتتان ليصل إلى ارتداد حقيقي عن دين موسى، وانضواء تحت تلك الضلالة التي أدار السامريّ دفتها بخبث، وحمل رايتها بكل براعة.

هذا الأسلوب الذي أخذ مُسميّات عدّة في علم الاجتماع لاحقاً: كفنّ السيطرة على العقل، أو غسيل المخّ، أو التضليل الإعلامي.. خاصة وأن السامريّ كان ذا مشروع واضح منذ البداية، ويعي ما كان يُخطّط له، وقد نجح في ذلك بنفاقه وأسلوبه المُضلِّل وطمسه للحقائق، ويرجّح البعض أنَّ أول من أسس لهذا الفنّ هو إبليس، بينما صُنّف النموذج السامريّ بأنَّه أقدم النماذج المعروفة بتظليلها لمجتمع كامل بمعطيات مختلقة، وترسيخ تلك المعطيات في عقول مجتمع بأسره لتصبح حقيقة لا يشوبها شكّ.

إنَّ التضليل ونشر الشائعات فن قائم بذاته، له مُعِدّوه وخبراؤه وكهنته، يُنتجونه حسب الذوق والمُناسبة والظرف لكي يُؤدي الغرض المنشود منه.. فمنذ أن صار للمعلومة والخبر أجنحةً أسرع من الضوء؛ أصبح التضليل سلاحاً ناعماً، وأُلبست الشائعات لثاماً حريريّاً لتوجّه اهتمامات الشعوب وتُؤثّر في توجّهاتها وربما تُزعزع ثقتها في أمر ما. وتطوّر ليُشرك الجميع في لعبته بكبسة زر.

إنَّ مواجهة أدوات هذا السلاح الناعم، هي مسؤولية الجميع بلا استثناء، ولتجنّب الوقوع في شباكه ينبغي علينا تقوية العضلات النقدية لدينا: تفكيك أي خبر يصل إلينا، بالتدقيق في مصدره، لأنَّ الثقة العمياء بمصدر أوحد للمعلومة هي انزلاق نحو هذا التضليل، إذ ينبغي تقييمه ومقارنته بمصادر أخرى.

* التعوّد على التفكير النقدي بالتعوّد على طرح الأسئلة، وأن نفتّش عن الشخص أو الجهة المُستفيدة من نشره، وما هو الهدف والمصلحة التي أراد الوصول إليها.

* تقييم مضمون الخبر بعين العقل والنقد، والتركيز على الأسباب لا النتائج.

أصبح التضليل الإعلامي ونشر الشائعات جيشاً يزحف ليستعمر العقول، وبإمكانه أن يحسم أي معركة يخوضها، ولعلّ أهم سلاح يُمكننا حمله لمواجهته هو الشعور بحس المسؤولية، وإحباط خططه بألا يجد له أرضاً خصبة عندنا، فهلا قرأنا وتأكّدنا، وهلا قرأنا ووعينا، وهلا قرأنا وتمهّلنا.