المرأة العُمانية بين وضعها كمربية وحاجاتها المهنية

 

سيف بن سالم المعمري

حظيت المرأة العُمانية باهتمام الحكومة منذ بزوغ فجر النَّهضة المُباركة في عام 1970م، وانتظمت في مقاعد الدراسة حالها حال أخيها الرجل مع توسيع رقعة التعليم في السلطنة، والتي كانت ضمن أولويات مرحلة بناء الدولة الوليدة، وتشير الإحصاءات إلى أنّ عدد الدارسين في مراكز محو الأمية يبلغ 848 طالباً وطالبة 97% منهن إناثا، كما تشير الإحصاءات إلى أنّ معدل الأمية لدى الإناث انخفض بمقدار 6.2% في الفترة من 2011 إلى 2015 مقابل نسبة انخفاض بلغت 2.4% للذكور، بالإضافة إلى حقهن في الرعاية الصحية الأولية ورعاية الأمومة والطفولة، وانتهاء بتخصيص عيادات وأجنحة متخصصة في أمراض النساء وأصبحت 99.7% من الولادات تجري تحت إشراف أخصائيين صحيين مهرة، وجاء هذا الاهتمام البالغ بهن؛ إيماناً من الحكومة بدور المرأة ورسالتها في المُجتمع كأم وكمُربية للأجيال، بالإضافة إلى دورها كشريكة في التنمية إلى جانب أخيها الرجل.

وأخذت المرأة العُمانية موقعها في المجتمع وتقلدت مراكز وظيفية في سائر قطاعات التنمية، وقادتها كفاءتها إلى الوظائف القيادية العليا كسفيرة ووزيرة ووكيلة وطبيبة ومعلمة .. إلخ، وبلغت نسبة النساء العاملات في القطاع الحكومي 41% وفي القطاع الخاص 23%، بينما بلغ  29% من المستفيدين من دعم صندوق الرفد من النساء، و70% منهن من أصحاب مراكز سند حسب النشرة التي أصدرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بمناسبة يوم المرأة العُمانية لعام2016م، وحسب الإحصاءات فإنّ نسبة النوع في السلطنة تبلغ 102 ذكر لكل 100 أنثى أي أنّ نسبة الإناث إلى الذكور 49.5% مقابل 50.5% بمنتصف عام 2015م. واستأثرت المرأة في السلطنة بالدعم والمساندة المستمرة من المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه-؛ وذلك لإيمان جلالته بتكامل الأدوار في مسيرة التنمية بين الرجل والمرأة، حيث عبَّر جلالته عن ذلك في كلمته أمام مجلس عُمان في عام 2009 م قائلاً: " لقد أولينا منذ بداية هذا العهد اهتمامنا الكامل لمشاركة المرأة العُمانية، في مسيرة النهضة المباركة فوفرنا لها فرص التعليم والتدريب والتوظيف ودعمنا دورها ومكانتها في المجتمع، وأكدنا على ضرورة إسهامها في شتى مجالات التنمية، ويسرنا ذلك من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبين واجباتها، وتجعلها قادرة على تحقيق الارتقاء بذاتها وخبراتها ومهاراتها من أجل بناء وطنها، وإعلاء شأنه.

ونحن ماضون في هذا النَّهج، إن شاء الله، لقناعتنا بأن الوطن في مسيرته المُباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التَّحليق إلى آفاق السماوات .."

وتوج ذلك بتخصيص جلالته يوماً للمرأة العُمانية والذي يوافق السابع عشر من أكتوبر من كل عام؛ وذلك ليُبرز منجزاتها خلال عام مضى، ويلقي الضوء على إسهاماتها في خدمة مجتمعها، وينشر الوعي الصحيح بدورها ومكانتها، ويُعزز تطلعاتها نحو المُستقبل.

ورغم ما حققته المرأة العُمانية من إنجازات على صعيد مشاركتها في مجالات التنمية، ورغم حاجة المجتمع المستمرة لطاقاتها في قطاعات تنموية متنوعة؛ إلا أنّ ذلك لا يعني أن يتم التغاضي عن أدوارها كأم ومربية للأجيال، وبالتالي أصبح وضع المجتمع بخروج المرأة للعمل يشكل تحدياً كبيراً جداً في مجال تربية النشء وبناء أجيال مُتسلحة بالأخلاق الفاضلة والتي هي أساس بقاء الأمم وتُّقدمها، ومع تنامي أعداد النساء العاملات في المُجتمع والتي تبلغ 41% في القطاع الحكومي و23% في القطاع الخاص والنسب مرشحة للارتفاع خلال السنوات المُقبلة؛ نظرًا لكثرة الطلب على وظائف تتوافق مهامها مع طبيعة المرأة كالوظائف الطبية مثلاً.

لذا أصبحت الحاجة ملحة في السلطنة لمراجعة القوانين والتشريعات بما تتوافق وقيم وعادات المجتمع حيث إنّ قانون الخدمة المدنية لا يفرق بين الرجل والمرأة في سنوات الخدمة قبل الحصول على التقاعد، فلم لا يتم مراعاة المرأة ليصبح من حقها طلب التقاعد بعد قضاء خمسة عشر سنة كحد أقصى في حال رغبتها في ذلك؛ لتتفرغ لتربية أبنائها وتنشئتهم التنشئة الصالحة بدل الاعتماد على عاملات المنازل والتي أصبحت قضية تؤرق المجتمع وتهدد عرفه وأخلاقه، على أن يكون القانون مرناً بحيث تتناغم نسبة الحصول على مستحقات ما بعد الخدمة مع السنوات التي قضتها في الخدمة.

كذلك يمكن أن تكون إجازة الأمومة تتعدى الخمسين يومًا، على أن يتاح للمرأة طلب إجازة أمومة بفترة زمنية أطول لا تتعدى التسعين يوماً كحد أقصى ولكن باستقطاع نسبة معينة من راتبها الشهري، وليس حرمانها بشكل كلي منه كما هو المعمول به حاليًا، على أنَّ حرمان المرأة العاملة من إجازة الأمومة بعد الطفل الخامس يعد إجحافًا بحقها في النسل، فإن كانت المرأة تضحي بتربية أبنائها في مُقابل خروجها للعمل لخدمة مجتمعها، فإنّ من الإنصاف أن تكون القوانين متوافقة مع حق المرأة في النسل وتكوين أسرتها بما يتلاءم ووضعها الاقتصادي والاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك فإنَّ وجود حضانات مُلحقة بالمؤسسات الحكومية والخاصة تتيح للمرأة العاملة الاطمئنان على طفلها حتى سن 4 سنوات أو ما قبل التمهيدي، يعطي المرأة العاملة رغبة متواصلة للعمل وحبًا وتعلقًا بالإنتاجية، على أن يتم تنظيم ساعات الرضاعة في تلك الحضانات، ويمكن أن تكون الحضانات مكاناً ملائماً لوظائف مربيات لعدد من الشابات العُمانيات، ليتناغم وضع المرأة بين وضعها كمربية وحاجاتها المهنية.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

 

Saif5900@gmail.com