ضوابط "العقد غير محدد المدة" (1-2)

 

 

بدر المسكري

يطرحُ هذا المقال التساؤل التالي: هل يجوز لصاحب العمل في العقد غير مُحدَّد المدة إنهاء عقد العمل بالإرادة المنفردة؛ وذلك فقط بالالتزام بالشرط الشكلي الوارد في نص المادة 37؛ والمتمثل في ضرورة الإخطار المسبق للطرف الآخر قبل إنهاء العقد، أم يجب أن يتم تقييد رب العمل بقيد موضوعي هو أن يكون سبب الإنهاء مبررا ومشروعا أي بدون تعسف؟ وسوف يكون التركيز على المادتين 36 و37 من قانون العمل العماني على وجه الخصوص؛ باعتبارهما المادتين اللتين تنظمان تجديد إنهاء عقد العمل غير محدد المدة.

فالمادة 36 من قانون العمل العمانى تنصُّ على أنه: "إذا كان العقد محدد المدة واستمر الطرفان في تنفيذه بعد انقضاء مدته يعتبر العقد مجددا بذات الشروط لمدة غير محددة"، وتنصُّ المادة 37 من ذات القانون على أنه "إذا كان العقد غير محدد المدة جاز لكل من الطرفين إنهاؤه بعد إعلان الطرف الآخر كتابة قبل موعد الانتهاء بثلاثين يوما، فإذا أنهى العقد بغير مراعاة هذه المهلة ألزم من أنهى العقد بأن يؤدي إلى الطرف الأخر تعويضا مساويا للراتب الشامل عن المهلة أو الجزء الباقي منها".

ويعرف العقد غير محدد المدة بأنه العقد الذي لم تحدد مدته أو حددت له مدة ولكن تم تجديده صراحة أو ضمنا أو اتُفق فيه فى بند لاحق على أحقيةأاى من الطرفين في إنهائه بالإرادة المنفردة في أي وقت.

وانقسم القضاء والفقه حول هذه المعضلة إلى اتجاهين؛ الاتجاه الأول يرى أنه يجوز لكل من طرفي العقد غير محدد المدة إنهاء العقد دون إبداء الأسباب، مع وجوب الالتزام بالشرط الشكلي وهو إخطار الطرف الآخر كتابة. بينما الاتجاه الآخر يرى ضرورة إبداء الأسباب في حالة إنهاء العقد من أحد طرفيه وسوف نناقش حجج وأسانيد كل فريق.

 (الاتجاه الأول) الاكتفاء بالإخطار فى إنهاء عقد العمل غير محدد المدة.. ويستند هذ الفريق إلى عدة حجج؛ أهمها:

1- أن حق صاحب العمل أو العامل في إنهاء عقد العمل غير محدد المدة هو حق مطلق لا يقيده إلا واجب الإخطار المسبق فقط، دون أي قيد موضوعي؛ وذلك على أساس أن نص المادة 37 من قانون العمل العماني لم تشترط سوى الشرط والقيد الشكلي، وهذا ما يدل عليه بجلاء ظاهر النص، فلا يجوز التوسع في تفسير النص، وكما هو معلوم في قواعد التفسير لا يجوز الخروج عن المعنى الحرفي للنص والانتقال إلى المعنى الغائي في حالة ما إذا كان النص واضحا لا لبس فيه ولا غموض. حيث من المقرر أنه إذا كانت عبارات النص واضحة جلية في الكشف عن المراد منها فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المقنن؛ إذ لا عبرة للدلالة في مقابل التصريح. خصوصا وأن المقنن العماني لا يريد لعلاقة العمل أن تكون مؤبدة في عقد العمل غير محدد المدة؛ وذلك حفاظا على حرية العامل وحماية لصاحب العمل.

2- أن القيد الشكلي يكفي وحده لتحقيق التوازن الذي يسعى المقنن في قانون العمل لتحقيقه بين حقوق العامل وصاحب العمل في إنهاء عقد العمل غير محدد المدة، وذلك لأنَّ الإعلان بفترة يعطي الطرف الآخر الفرصة والوقت الكافي للبحث عن فرصة عمل أخرى ويعطي رب العمل فرصة للبحث عن عامل مناسب.

3- يتفق هذا الاتجاه مع منطق مبدأ سلطان الإرادة في العقود التي تعطي لطرفي العقد الحرية في إنهاء العقد؛ لذلك لا يجب التوسع في تقييد هذا الأصل، وفي حالة التقييد يكون بناء على نص قانوني صريح.

4- الكثير من أحكام القضاء تعضد هذا الرأي؛ ونذكر على سبيل المثال: الأحكام الصادرة عن محكمة التمييز القطرية ومحكمة التمييز الكويتية، ومثال ذلك ما قضت به محكمة تمييز الكويت في الحكم رقم 49 لسنة 1999 بتاريخ 27/12/1999 حيث قضت (من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع قد أفصح في المادة 53 من قانون العمل عن أن ما يلتزم به أي طرف من طرفي عقد العمل سواء صاحب العمل أم العامل قبل الآخر في حالة فسخ العقد غير محدد المدة لا يتعدى بدل الإعلان إذا لم يراع قبل الفسخ المهلة المنصوص عليها وهي خمسة عشر يوما على الأقل بالنسبة للعمال المعينين بأجر شهري، وأما التعويض عن فسخ العقد فقد قصره المشرع على العقود محددة المدة وعلى النحو الذي ورد بذات النص).

* محاضر بكلية الحقوق - جامعة السلطان قابوس

Bader808@squ.edu.om     

تعليق عبر الفيس بوك