رياضة القيم!!

 

المعتصم البوسعيدي

تُمثل الإدارة بالقيم "اتجاها إداريا حديثا للأداء القيادي المتميز"، وتُعتبر القيم "ركيزة مهمة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة" ومفردة القيم في اللغة جمع قيمة أي الشيء ذي المقدار، وتعرف اصطلاحًا بأنها مجموعة الصفات الأخلاقيةِ التي يتميز بها البشر، وتقوم الحياة الاجتماعية عليها، ويتمّ التعبير عنها باستخدام الأقوال والأفعال، ولها أيضًا تعريفات مختلفة تصب كلها على إيجابية وجودها وتأثيرها على مسألة الرقي والنهوض بالمجتمع.

وأعود للتحدثِ عن القيم بعد قضية شغلت المهتمين بالرياضة العالمية بشكل عام والإنجليزية بشكل خاص؛ حين نجحت صحيفة تليجراف البريطانية في الكشف عن قبول مدرب المنتخب الإنجليزي "الجديد" سام ألاراديس لرشوة بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني من بعض رجال الأعمال نظير منحهم مشورة التحايل على قواعد الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم فيما يخص انتقالات اللاعبين، وتوجيه الإهانات للاتحاد ومدرب المنتخب السابق روي هودسون بوصفه ضعيف الشخصية؛ الأمر الذي لم ينكره المدرب ولم يدافع فيه الاتحاد عنه؛ فكانت الاستجابة بالإقالة وفتح باب التحقيق على أوسع نطاق بما فيهم رئيس الاتحاد.

أسبوع واحد للمدربِ مع المنتخب ومباراة وحيدة اتسمت بالجدية ووصفت بعهد جديد، سقط بعده حلم المدرب وتطلعات الكرة الإنجليزية بضربة "إعلامية" موفقة فضحت المستور وتفاعل معها الجميع بنزاهة كانت العزاء الجميل في الموضوع؛ فأنتصر الخير على الشر، والجمال على القبح، والصدق على الكذب، وأنتصر الظالم قبل المظلوم، فقد أقر المدرب بفعلته الشنيعة دون أن يُشنع به، واتخذت في حقه الإجراءات الفورية والسريعة ووسع نطاق الإجراءات بالتحري عن مكامن الخلل لإصلاحها وإعادة الأمور لنصابها الصحيح، هذا الانتصار يعني في مجمله انتصار رياضة القيم التي يجب أن نبحث عنها نحن "بلابل" القول لا "محراث" العمل؛ فرغم إرث القيم الإسلامية القائدة لحضارات الأمم ما زلنا لم نجد "التصنيف الإسلامي للقيم وترجمتها في إدارة المؤسسة"، وأذكر هنا أحد الإعلاميين المصنف من "كبار الإعلاميين" أو "واسع الشهرة" بشكل ادق، استغرابه عن إمكانية وجود "السياحة الإسلامية" وكيف لها أن تكون في هذا العالم المنفتح بنظرة الانفتاح الضيقة "كيف نفرض قيمنا المحرمة لمتاع الغير"؟! وهذه إشكالية "عويصة" يطيل الحديث عنها!!

قضية مدرب المنتخب الإنجليزي قدمت درسا مُهما في جانب تعاني منه رياضتنا العربية؛ حيث لغة وأفعال "الإقصاء" للآخر الذي بإنسانيته مُعرض للخطأ، فما بالنا نقصي -في أحيان كثيرة- صاحب الرأي المخالف لنا، لقد تحدث الفتى الذهبي "روني" قائد المنتخب الإنجليزي عن المدرب ووصف فعله "بالمخزي" ثم تابع الحديث بمدح مدربه، وكذلك فعل زميله "كاهل" نجم "البلوز" الذي أثنى على المدرب دون ان يدافع عن ما قام به، هذا الموضوع ليس بالسهل إنما يتأتى بإدارة القيم وتغلغلها في أفراد المنظومة بأكملها، وليس الأمر محصورًا على الإنجليز فقط؛ فالجميع يعلم سبب حرمان نجم النادي الملكي "بنزيما" من اللعب مع المنتخب الفرنسي على الرغم ان قضيته لم تُحسم بعد، لكن الشك في اختلال قيمة من القيم جعلته بعيدًا عن تمثيل وطنه، والأمر مفتوح بعد ذلك للعودة ان تحصل على البراءة فلا ضرر ولا ضرار!!

أنا لا أمتدح الغرب على حساب الشرق، فلدينا من القيم ما يجعلنا نتربع قمة الهرم، لكننا بحاجة لتطبيق ذلك، فاليابان استمدت إدارتها من الثقافة والتربية اليابانية، وأصبح "تطبيقهم ليس نابعًا من الامتداد التاريخي والثقافي والديني والتربوي للمجتمع فحسب؛ بل من واقع حياتهم اليومية والتي تترجم إلى إنتاجية وتحقيق للأهداف وتفوق بكل الميادين" ولك ان تعلم عزيز القارئ أين كانت اليابان في كرة القدم قبل تسعينيات القرن المنصرم وما آلت إليه اليوم بزعامة آسيوية على مختلف الأصعدة، والفضل يعود لاعتمادهم على "قيم المجتمع وتقاليده".

 أعتقد الحاجة مُلحة لتطبيق رياضة القيم في المؤسسات الرياضية أي إدارتها بالقيم، ولعلي سأختم بتوصيتين من ندوة" الإدارة بالقيم المنعقدة في ديسمبر 2003م بمعهد الإدارة العامة" الأولى: "العمل على تأسيس ونشر فكر الإدارة بالقيم استنادًا إلى قيمنا الإسلامية وتراثنا العربي وصولاً لتبني القيم الأساسية بالأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص بالسلطنة" والثانية: "تشجيع المبادرات والسلوك القيمي للعاملين وتوثيق الممارسات الإيجابية وتعميمها"، فهل غادرت هذه التوصيات أوراقها؟! لكم الإجابة ـ تكرمًا ـ بعد السؤال!