كرة إيطاليا.. الولادة الجديدة المُنتظرة

حسين بن علي الغافري

يُثير الاهتمام جداً رؤية ماضٍ كروي عريق وتاريخي، ومصدر مُهم لكرة القدم يفقد بريقه وقوته التي عُرِفت عنه. هكذا حال الدُنيا في كل أوقاتها.. البقاء على ذات الحال مُحال.. والأيام تتقلب والأحوال تتجدد والحياة مُستمرة. أكثر ما فقدناه نحن محبو الكرة على هذه البسيطة كُرة الطليان الهندسية العميقة في كل جُزئياتها. قد نختلف في تفاصيل جزئية عن الدوري الإيطالي والكرة الإيطالية بعموميتها ولكن مؤكد أننا نتفق سوية في كونها بحرا من العُلوم الكروية التي لا يمكن استنساخها في أراضٍ أخرى.

آخر حضور جميل لكرة إيطاليا أوروبياً كان قبل ست أعوام بتتويج إنتر مورينهو بلقب أبطال أوروبا الثالث للنادي، ومُن ذلك الوقت ونحن نعيش الحسرات على غياب فكر كروي مميز. كان ديربي ميلان يحشد المُتابعين عالمياً ويستقطب الإعلام على نحو منقطع النظير. ديربي روما وكلاسيكات إنتر يوفي.. ويوفي ميلان .. يوفي تورينو ولقاءات الجنوب الإيطالي بتاريخ مارادوني يُستحّضر في نابولي.. بارما وأودنيزي وفيورنتينا.. باليرمو وكالياري والبقية.. لقاءات تحمل في طيّاتها الكثير من المتعة الكروية الحقيقية لكرة القدم التنافسية، ولعلّ الأزمة المالية الاقتصادية، والعقلية الرياضية التي لم تواكب المتغيرات التي فرضها الاحتراف تسببت في تراجع كُل التاريخ الجميل للكرة الإيطالية وإن كان كذلك حقاً فلا يمكن أيضاً نسيان الفضائح التحكيمية التي كان لها أيضاً دور فاعل بتراجع المنظومة الكروية.. أُسّقط يوفي وجُرّد من لقبه قبل ما يزيد عن عشر أعوام وجاء اللقب على طبق من ذهب لإنتر. وهناك سبب آخر يجب عدم نسيانه في هذه المعمعة: قلة المداخيل المادية للأندية فمثلاً اشتراك إنتر وميلان بملعب مشترك واحد.. روما ولاتسيو.. ويوفي وتورينو إلى وقت قريب قبل أن يُنشىء اليوفي ملعبه الخاص.

الكُرة الإيطالية عانت كثيرًا بعد تتويج إنتر بلقبه الأوروبي 2010م، فقد خسر الطليان نجوم كروية بارزة كانت تنشط بأنديتها الكبرى ومن ثم فُتِحْ السُوق على مصراعيه للظفر بخدماتهم. وكان تُجّار إسبانيا من ريال مدريد وبرشلونة والبقية حاضرين.. أندية فرنسا كانت مُستقطبة كذلك، وأندية ألمانيا وإنكلترا، إلى أن جُردّ الدوري من أبرز نجومه مما أضعف المستوى الفني وغاب التنافس الأوروبي في بطولتي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي وزاد الطين بلة خسارة الطليان مقعدهم الرابع ليتحول إلى ألمانيا التي كانت تملك ثلاثة فقط وبتطور البوندسليغا تحول إليهم مباشرة في حسابات مرتبطة بالنقاط والنتائج الإيجابية أهمها المشاركات الخارجية.. كما تخبط حضور المنتخب خارجياً وعانى كثيراً في الحفاظ على التنافسية التي عُرِف عليها والمؤمل أن يقدم شيئاً في فرنسا خلال بطولة اليورو 2016م. المُشكلة تبدو واضحة للعيان، ومرحلة السُبات يتوقع أن تنتهي هذا الموسم بنهضة كروية كما كانت. وبنظري المُتواضع أنّ عناصر الإنقاذ الرئيسية يمكن بلورتها في جزءين: الأول، الأخذ بأفكار يوفنتوس سيد الدوري الإيطالي في السياسة التي يعمل عليها النادي كمنظومة ثابتة مثل استقطاب الأموال والاستثمار في إنشاء ملعب خاص لكل نادي يتيح المجال في توفير معالجة لجزء من العُجوزات التي تعاني منها الأندية. يوفنتوس لعله أبرز الأندية الإيطالية حضورا في إدارة استثماراته، ورغم هُبوطه للدرجة الأولى وهجرة نجومه إلا أنّه عاد بشكل أقوى ولم تزده الأزمة التي مرت إلا قوة. الحل الثاني يكمن في جذب أصحاب المليارات لشراء الأندية الكبرى وهو ما نسمعه اليوم بأخبار ترتبط بميلان وإنتر على سبيل المثال، الأمر الذي أثبت نجاحه في دوريات أخرى مثل الأموال القطرية بباريس سان جيرمان بفرنسا، والإماراتية المتمثلة بشراء مانشستر سيتي .. والروسية في تشيلسي. الصيف سيكون ساخن جداً هذا العام ومنتظر منه أن يحول الأعين إلى إيطاليا، ونتمنى بطبيعة الحال الاستفاقة وعود الروح لـ"جنة كرة القدم".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة