كيمياء الحب.. أربعة

مدرين المكتوميَّة

"الأحلام هي النافذة الوحيدة التي نستطيع أن نرى من خلالها ما لم نستطع الحفاظ عليه في الواقع أو من سلبته الحياة منا عنوة".. بهذه المقولة سأبدأ، والبداية مختلفة هذه المرة لأننا سنحلل مفهوم الحب، خاصة وأنَّ اللغة العربية هي من أكثر اللغات الثرية بمفردات الحب كالعشق، الهيام، والتتيم، والغرام والوله...وغيرها من المفردات التي تغنى بها شعراء الماضي والحاضر وكتاب الأدب والروايات، وغيرهم من المثقفين الكثير.

ولربما ومن واقع معاش؛ فالحب بالنسبة للبعض كالعار، يخجلون منه، وكأنهم ارتكبوا أكبر الكبائر في حياتهم على الرغم من أنها من المفردات التي ذكرها الله في كتابه العزيز في سورة المائدة؛ قال فيها: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"، ونادتْ به السُّنة النبوية في حديث النبي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة قال: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ"، فالحب الذي ارتبط عند البعض بأنه علاقة مشينة هو في الحقيقة أسلوب حياة، وجزء لا يتجزأ من معاملاتنا اليومية، أو ربما يجب أن تكون جزءا من معاملاتنا اليومية ولكننا لا نمارسها.

ولو جئنا لتفسير الحب، فهو جزء من تكوين الإنسان يحتاجه منذ ولادته ويبحث عنه في مهده ليجده مخبأ تحت حنايا والديه، فيُرضعه حليبًا حتى ينمو جسده وينمو بداخله الحب الذي سرعان ما يتخلله ويصبح جزءا من أنفاسه، ولكن يتفرع ذلك الحب ليمتد على مراحل عمرية مختلفة، حتى عندما ينتقل معه للثرى فيبكيه محبوه ويذكرون محاسنه، ومن بين هذه الأفرع حبٌّ حدثنا عنه حبيبنا رسول البشرية صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هكذا هو الحب. شيء ما يلامس دواخلنا بأن هنالك أناسا يجب أن نهتم بهم لأنهم يفرحوننا ويدخلون البهجة إلى نفوسنا، ويطرقون أبوابنا دون استئذان؛ لذا نحبهم ونتعلق بهم يوما بعد يوم، ويصبحون مع الوقت كأنهم روحا واحدة تسكن جسدين فيشعر كل منهم بالطرف الآخر، وتبدأ بينهم كيمياء يطلق عليها "كيمياء الحب"، والتي تعرف على أنها تفاعلات كيميائية يتسبب بها هرمون الــ"دوبامين" وهو هرمون في الدماغ يخلق فيضا من المشاعر القوية عندما نقع في شباك الحب، وقد تكون الأحاسيس القوية عكسية وتولد الشعور بالكراهية عندما لا تسير الأمور على ما يرام في العلاقة.

فيمرُّ قطار الحب في أربع مراحل من حيث الكيمياوات الحيوية للجسم، وهي: "الانجذاب، والهوى الرومانسي، والتعلق والارتباط، وأخيرآ الحب العميق"، وفي كل مرحلة من هذه المراحل هناك أجزاء من الدماغ تنشط لتساعد على سير المراحل؛ وبالتالي فكل قصة حب تمر بالأربع مراحل إن كانت حقيقية، وإن كانت مجرد مشاعر خفيفة وإعجابا فإنها تتوقف عند إحدى الكيمياوات ليتوقف الدماغ عن ضخ هرموناته؛ وبالتالي لا تستمر العلاقة. وخلاصة الحديث أن الحب ليس خيارا ولا رغبة، بل هو فوق ما نتوقع، هي مراحل وكيمياء وهرمونات تتحكم بسير العملية؛ وبالتالي فلا يجب علينا أن نخجل أو أن نتغاضى عمَّا نشعر به؛ لأنَّنا بذلك نتسبب في إحالة أنفسنا للاكتئاب ولإفراز هرمونات سلبية تقلب ميزان السعادة لحزن مؤقت أو اكتئاب حاد، أو عدم الرغبة في ممارسة حياة طبيعية وعادية، وبالنهاية وسواء بالعقيدة الدينية أو الاجتماعية أو العلمية؛ فالحب حاجة وضرورة بشرية، وغيابه عن حياتنا قد يتسبب في كثير من النقص في إنسانيتنا.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك