أحمد السلماني
مباراتان لكرة القدم من أصل ثلاث لُعبت في مسقط، حضرتُهما في الملعب، طرفاها ناديان أحدهما من المملكة العربية السعودية الشقيقة، والآخر من جمهورية إيران الإسلامية الصديقة، فرضها الواقع السياسي بالمنطقة؛ وذلك عندما تختلط السياسة بالرياضة في حالة من الانفصام بين الشعارات التي لطالما تغنَّينا بها في أن "الرياضة تَجْبُر ما أفسدته السياسة"، ومرة أخرى بل ومرات فإن السلطنة الحبيبة هي الحل لأنها ببساطة تقف على نفس المسافة بين الفرقاء من الأشقاء والأصدقاء.
ليس هذا بيت القصيد بالمقال، وإنما هي "الحالة الغريبة" والرسالة "الجماهيرية" التي أرسلتها جماهير كرة القدم العمانية، بل قُل عدة رسائل إلى أكثر من جهة؛ أولاها للقائمين على كرة القدم العمانية، فبعد الحضور الجماهيري الكبير والذي صَار حالة نادرة في ملاعبنا دعما للأندية السعودية الشقيقة، والتي كُنت أعلم أنَّ لديها شعبية كبيرة وحضورا واسعا، ولكن أن يكون بهذه الصورة المدهشة فإن الأمر يستدعي الوقوف معه ودراسته؛ حيث يحكي تاريخ المنطقة الكروي عن إنجازات جميلة للكرة السعودية وحضورا مشرِّفا قاريا ودوليا؛ سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية، ورافق ذلك -ولا يزال- آلة إعلامية قل نظيرها في المنطقة، فرضت وبقوة الكرة السعودية ونجومها، ورغم تراجعها الملحوظ في السنوات الأخيرة مع بعض الانتعاشة الخجولة للمنتخب الوطني السعودي، إلا أن الزحف الجماهيري العماني الهائل خلف الأندية السعودية يؤكد شعبيتها في المنطقة، وأن القائمين عليها ومنذ عقود قد نجحوا في جذب الجماهير والتي وصلت لحد التعصب السلبي، وهو ما نرفضه هنا، ولكننا ننشد التعصب الإيجابي وفي إطار الروح الرياضية.
رسالة أيضا وجهتها الجماهير العمانية للأشقاء في المملكة أن مجمع السلطان قابوس بمسقط كان اختيار الأصدقاء في إيران، ولكن اللحمة الخليجية كانت أمضى وأقوى وفي إطار كرة القدم آزرت الفرق السعودية.
ومن الرسائل المهمة التي وجهها الجمهور العماني أنه "ذواق" وليست لديه مشكلة في أن يدفع ليتابع كرة القدم ويؤازر الأندية العمانية، ولكن كل ذلك لن يتأتى إلا بمستوى فني عالٍ ومثير، وملاعب مريحة تتوافر على خدمات ولو بالحد الأدنى، ويرافق كل ذلك آلة إعلامية في إطار منظم وغير مبالغ فيه تجذب الجماهير واتحاد الكرة استعجل في تطبيق مقولة "ادفع لتشاهد"، أدفع لمن ولماذا؟ فالمستوى الفني للأندية العمانية تفضحه المشاركات الخارجية.
لا أريد أن أكون قاسيا على الأندية؛ فهذا هو المتاح في ظل النظرة المشوهة لكرة القدم من قبل القطاع الخاص الذي لم يُسهم في تطويرها إلا بالنزر اليسير من الشركات، ولكم أتمنى أن يحفز الحضور الجماهيري الجيد أصحاب رؤوس الأموال؛ لأن يستثمروا في الرياضة، خاصة كرة القدم، وهذه أيضا رسالة بليغة.
وهنا.. أعود مرة أخرى لضرورة مراجعة ملف كرة القدم العمانية من الجلدة إلى الجلدة، ورقة ورقة، سطرا بسطر وكلمة كلمة بل وحرفا بحرف، وأضع هذا المقترح وهو "أن تبادر الحكومة والقائمين على الأندية بفتح ملف استثمار الأندية من قبل الشركات الكبرى لتتبنى كل منها ناديا وتقوم بتطوير بنيته الأساسية والاستثمار التجاري والارتقاء بالعمل الإداري المسؤول، وكذلك الارتقاء بالبرامج واللعبات أي الاستثمار به من كل الجوانب، وبما يجذب الأعضاء ويرتقي بالنادي لينافس داخليا ومن ثم خارجيا، على أن يكون كل ذلك ضمن إطار علاقة بين هذه الشركات ووزارة الشؤون الرياضية واتحاد كل لعبة، وفي كرة القدم تحديدا -وعلى سبيل المثال- تشكل هذه الأندية رابطة خاصة بها تنظم مسابقاتها وبطولاتها، ويتكفل اتحاد الكرة بالمتابعة وبالمنتخبات الوطنية".. فكروا فيها!