"نحن من دفعناهم إلى الانتقام"

طالب المقبالي

في صباح يوم عمل حضر أحد عمال النظافة لتنظيف مكتبي، فعندما انتهى من التنظيف همّ بالدخول لتنظيف دورة المياه؛ فأوقفته وقلت له لقد قمت بتنظيف دورة المياه بنفسي قبل قليل.

تعجب وقال كيف تنظف دورة المياه وأنت عماني! أنا فقط من ينظف دورة المياه لأنني (....) وقد ذكر جنسيته الآسيوية!

تركت ما كان بيدي من عمل والتفت إليه وقلت له بلطف لا يا أخي كلنا مسلمون وكلنا سواسية، فديننا الإسلامي الحنيف لم يفضل أحدا على أحد إلا بالتقوى، ولم يفضل جنسا على جنس ولا جنسيّة على جنسيّة.

فبينما أقول له هذه الكلمات اغرورقت عيناه بالدموع ورأيت على وجهه تعابير الألم والحسرة.. هدأت من روعه وأوليته اهتماماً خاصا لسماع قصته التي أحسست أنّها قصة مؤلمة.

فقبل أن يحكي ويسرد قصته أخرج من جيبه هاتفه وطلب مني مشاهدة مقطع فيديو قصير عن عمل قام به لأحدهم هو وزميل له من الصباح الباكر إلى المساء.

العمل الذي أراني إياه يحتاج إلى أربعة عمال أو أكثر لإنجازه، في حين قام به هو وزميله معتقدين أنّ صاحب العمل سوف يقدّر العمل والجهد الذي قاما به ويعطيهما بقدر الجهد الذي بذلاه كما ظهر في مقطع الفيديو.

وأحسست بالألم وهو يسرد القصة حين أحضر لهما بعض الطعام عبارة عن أطعمة جاهزة وخبز منتهي الصلاحية منذ أسبوع.

يقول هذا العامل، لقد أكلنا الطعام دون شعور حيث كنا جوعى ومنهكين من التعب لمواصلة العمل بغية إنجازه في يوم واحد، وبعد فترة من تناول ذلك الطعام أصبنا بمغص شديد، حينها انتبهنا للتواريخ المدونة على الأكياس فوجدناها منتهية الصلاحية منذ أسبوع.

من خلال حديثه معي وسماعي له بإنصات اعتقدت أنّهما تعاقدا مع الرجل بمبلغ معين ولذلك حرصا على اتمام العمل في يوم واحد، إلا أنّه اتضح بأنّه بالأجر اليومي، وهناك عرف بين العمال وأصحاب العمل أنّ الأجر اليومي للعامل الواحد في اليوم سبعة ريالات، وهما عاملان وإجمالي أجرهما من المفترض أن يكون أربعة عشر ريالا.

لكن المؤسف والمؤلم في نفس الوقت أنّه رفض أن يعطيهما حقهما كاملاً رغم الجهد الذي بذلاه فأعطاهما خمسة ريالات فقط، حصة كل منهما ريالان ونصف الريال فقط.

وعندما رفضا استلام هذا الأجر الزهيد قال لهم بأنّه أحضرهما في سيّارته وأنّه اقتطع منهما أجر النقل؛ فذهبا بحسرتهما على الجهد الذي بذلاه منذ شروق الشمس وحتى المغيب دون أن يقبضا حقهما وافيا نظير عملها.

ومن المؤسف حقا أن نجد في بلدنا العزيزة عمان من هذه الفئات التي تستغل ضعف وحاجة الآخرين ضاربين بعرض الحائط كل المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقيّة والدينية التي يتبرأ منها كل إنسان شريف.

فبهذه التصرفات نحن بأنفسنا نغرس في نفوس هؤلاء العمال غريزة الانتقام، فلولا هذه التصرفات لما حدثت الجرائم لا سيما جرائم القتل التي نسمع عنها لأرباب العمل خاصة من أصحاب المزارع الذين لم يعودوا آمنين.

muqbali@hotmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك