الزواج من الخارج.. بين حق المجتمع وحق الفرد

علي بن راشد المطاعني

يُعدُّ تنظيم الزواج من الخارج (زواج المواطن أو المواطنة من جنسيات أخرى) من المسائل الجدلية التي تنقسم فيها وجهات النظر؛ فكلا وجهتي النظر له مسوِّغاته وأدلته التي تعزِّز ما يقوله، ويستشهد بأنظمة وقوانين في العديد من البلدان؛ فالبعض يُطالب بالإباحة ويتناولها من باب حرية الإنسان في اختيار شريك/شريكة حياته، وآخرون يتمسكون بالمنع ويرون في ذلك حفاظا على كيونية المجتمع وعدم الاختلال في تركيبته، والتصدي للعنوسة كظاهرة اجتماعية، وبالفعل تنظِّم الدول مسألة الزواج من الخارج، ووُضِعَت له ضوابط وشروط دقيقة، لكنَّ الجدل يتواصل ما بين مُرحِّب بهذه الضوابط وآخر يراها قيودا تمنع حقه في الاختيار، وهذا فضلا عن أن البعض يُلقي باللوم على وزارة الداخلية في التأخير في إصدار موافقات التراخيص على الزواج من الخارج لشهور إن لم تكن سنوات دون مبررات تذكر، أو كجزء من آليات المنع، ورغم اكتمال كل الموافقات والأوراق الثبوتية.

ولكن بعيدا عن وجهتي النظر المتضادتين، توجد منطقة رمادية بين الأبيض والاسود؛ حيث أفرزت الضوابط والشروط بعض المظاهر الاجتماعية، التي يجب مراعاتها ووضع التعديلات اللازمة على تلك الضوابط للتغلب على تلك الظواهر؛ فمثلا هناك بعض المواطنين من مكتسبي الجنسية العُمانية يعانون من مسألة الدمج في المجتمع، وهذا أمر طبيعي في مجتمع له مورثاته وعاداته وتقاليده الخاصة والمحكمة مثل المجتمع العُماني، وليس سهلا عليه تقبل الثقافات الأخرى بسهولة، نجد أنَّ هؤلاء المواطنين يجدون صعوبة في الحصول على الزوجة العمانية، لرفض معظم العائلات تزويجهم، أو لرغبتهم في الزواج من نفس جنسيتهم السابقة؛ لذا يجب مراعاة ظروفهم كحق من الحقوق التي يجب أن لا تحرم منها هذه الفئات بعدما مُنِحَت الجنسية لابد من تقدير أوضاعها وظروفها.

وهناك إناث يَخْشَيْن من قطار العنوسة بعد تخطي الثلاثين، ويُردن الارتباط بشخص ما من جنسية أخرى، ويبقى عائق حقوق الأبناء يحول بينهن وبين الزواج، حيث أبناء المواطنة ليس لهم حقوق مثل أبناء المواطن على العكس من العديد من البلدان التي أعطت أبناء المواطنة حقوقا متساوية لأبناء المواطن.

الأمر الآخر الذي يحتاج إلى تنظيم هو سماح القانون لبعض الطاعنين في السن بالزواج؛ فيستغل البعض ذلك ويتزوج من فتاة شابة، ولا يراعي حُكم الزمان، وينتج عن هذا الزواج مشكلات اجتماعية وظواهر سلبية كبيرة في جوانب أخلاقية، إضافة إلى أنَّ هناك حالة من الإنكار يعيشها مجتمعنا لوجود زوجات لمواطنين من جنسيات أخرى يعيشون في البلاد بطريقة مستترة، عبر تأشيرة العمل؛ مما ينعكس سلبا على أبناء هذا الزاوج الذي يعرفه كافة المحيطين بالأسرة، لكن الضوابط لا تزال تشكل عائقا لإعطائة الصبغة الرسمية، والكثير من الظواهر التي أفرزتها التجربة، والتي يجب على المشرِّع وضعها في حسبانه والسعي لسد الثغرات، من باب سد الذرائع.

وتظلُّ بعض التصرفات الاجتماعية غير المسؤولة مثل المغالاة في المهور، والمغالاة في طلبات الزواج، هي أبرز العوائق وأخطرها التي تدفع العديد من الشباب إلى الاتجاة نحو الزواج من الخارج؛ فبلاشك قرار السلطنة تنظيم الزواج من الخارج له مبرارته الاجتماعية والاقتصادية والأمنية حتى، البعض لا يُدركها جيدا لعدم معرفته بجوانب عدة وتبعات كثيرة تعاني منها الكثير من الدول، ويقع ضحيتها أبناء الوطن للكثير من الأمور غير المتوافقة مع النظم التي تنظم عملية الزواج من الخارج.

وهناك مخاوف من زيادة نسبة العنوسة، أو تأخر سن الزواج لدى الإناث، تشكل هاجسا مهما يجب وضعه في الاعتبار؛ حيث تُشير آخر الإحصائيات إلى انخفاض نسبة الزواج عام 2015م 9 بالمائة في السلطنة، عن العام 2014، وهو مؤشر خطير يُعبِّر عن العديد من الاختلالات التي يجب النظر إليها بجدية ووضع الحلول الناجحة، للتصدي لتلك الظواهر؛ حيث يجب أن يتفهَّم المجتمع خطورة تناقص معدلات الزواج ودلالاتها على الفرد والمجتمع، وكيفية تلافيها، وأن يسعى الجميع إلى تيسير الزواج وتقليل الشروط، وعلى المرأة أن تتفهَّم جيدا حقوق الزوج، حتى لا يسعى الكثير من الشباب إلى الزواج من أجنبيات، وأن تنخفض نسبة عدم زواج الإناث لمستويات معقولة، تكفينا عناء فتح باب الاستثناءات للزواج من الخارج، وتسهيل الزواج للمواطنين العمانيين الذين لا يحملون الجنسية العمانية الأصلية للعديد من الظروف والاعتبارات الاجتماعية.

تعليق عبر الفيس بوك