"إقرارالذمة المالية".. بين إلزامية القانون وقناعة المسؤول!

أمل الجهورية



كإشراقة الفجر تُطلُ حياتنا بشكل يومي على مستجدات كثيرة لا دخل لحداثتها أو قدمها في الأمر؛ بل إن الظروف هي التي هيأت لها ولادة جديدة؛ لتكون مثار اهتمام أو عناية لم تكتسبها اللحظات التي شاءت مخاضها الأول منذ سنوات عدة، وهذا الأمر في حقيقته يعكس وجود فكر جديد لمجتمعاتنا التي أصبحت أكثر جرأة وشفافية، لا تغفو عين المواطن فيها عن حقيقة، ولا تصحو إلا بحب جديد مُتأصلٍ في النفوس يؤكد الحرص والولاء لهذا الوطن، فنجد وعلى منصّات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص موائد عديدة للحوار تستمد طاقتها من الرأي العام بمواضيع لا تنفصل عن مطالبات وأفكار توحي بأنّ كل مواطن هو مسؤول، وتمثل مطالباته جزءًا لا يتجزأ من منظومة العمل التي تقوم بها المؤسسات الأخرى، لا سيما إذا جاءت تلك الأفكار والمطالبات نابعة من رغبة وطنية خالصة تتصدرها المصلحة العامة، الأمر الذي يوجه مسيرة البناء في هذا الوطن نحو الأفضل بعيداً عن أي مغالطات أو مزايدات تمس المسؤول الحكومي أو تَضُرُ بالمواطن.
وفي خِضم تلك المشاهد والمستجدات يأتي إقرار مجلس الشورى العماني لموضوع "إقرار الذمة المالية" بموافقة ورغبة الأغلبية بنسبة (56%) من أعضاء المجلس أحد المواضيع التي لامست المطالب والتوجهات، وجاءت متوافقة مع أحكام قانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (112/2011م) في مادة (12) والتي تضمنت التزام المسؤول الحكومي بتقديم إقرار ذمته المالية إلى جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة إذا طلب منه ذلك وكلما استدعت الضرورة، كما حظيت المبادرة الأولى التي قام بها أحد أعضاء مجلس الشورى خلال الأسبوع المنصرم في سابقته بإقرار ذمته المالية لجهاز الرقابة واستخراج ما يثبت ذلك قانونياً بمباركة وتعزيز من قبل الرأي العام؛ الأمر الذي جعل المطالبة بإقرار الذمة المالية للمسؤول الحكومي مطلباً مُلحاً على جميع الأعضاء دون استثناء وكذلك على المسؤولين في الحكومة.
ولكن مع نص المادة وإلزامية القانون إلا أنّ الجدلية المثارة حول الموضوع أخذت مناحي مختلفة ربما عكست عناية البعض وحرصه وإدراكه لتبعات هذا الإقرار؛ إلا أنّه في المقابل كان لدى البعض الآخر نوع من الضبابية حول ماهية هذا الموضوع وأهميته؛ مما جعل البعض يضع تأويلات مختلفة على موافقة البعض بتقديم إقرار الذمة المالية، وعدم الرغبة في ذلك من قبل أطراف أخرى؛ فالأمر هنا ليس موضوع اختيار أو رفض فقد حدده نص المادة القانونية، وعلى المسؤول الالتزام به، وهو لا يتضمن أي انتقاص من حق المسؤول أو اتهام له بشيء؛ بل على العكس إن هذا الأمر هو تعزيز للشفافية والنزاهة ونأيٌ به عن دائرة الشك والفساد الذي يثره الكثير من غير دليل أو مشروعية.
ما نريد أن نوضحه هنا، أن موضوع إقرار الذمة المالية ليس حكراً على مؤسسة معينة ولا يستثنى به فرد دون آخر لتحقيق أهداف خاصة، بل إن الأمر يحمل أهدافاً سامية في حقيقته وفيه حفظ للمسؤول وحماية، وهو موجود في الأعراف الدولية حيث شكّل ضرورة ملحة لإقرار نظام خاص للذمة المالية للمسؤولين الحكوميين منذ عدة أعوام، ويعد من أهم أدوات تعزيز النزاهة والشفافية في الوظائف العامة، وأشارت إليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) لعام 2003م في المادة 52، والتي حثت على "إنشاء نظم فعالة لإقرار الذمة المالية في كل دولة وفقًا لقانونها الداخلي بشأن الموظفين العموميين، وتطبيق عقوبات ملائمة لعدم الامتثال" وبحسب قاعدة بيانات البنك الدولي فإن (78%) من الدول لديها أنظمة لتقديم إقرارات الذمة المالية، كما قامت عدد من الدول الشقيقة بدراسات قريبة في هذا الشأن، وخرجت بتوصيات تدعو لتطبيق هذا الموضوع على مستوى المسؤوليات صغيرة كانت أو كبيرة في مختلف المؤسسات؛ لهذا لا بد من مواكبة كل ذلك، والعمل على تفعيل هذا الجانب من خلال وجود قناعة ذاتية؛ بأنّ هذا العمل يساهم في إخراج أي مسؤول من الوقوع في دائرة الشك، ويكون مبدأ النزاهة هو قاعدة تنطلق منها مؤسساتنا من غير حاجة لوجود قوانين ملزمة تدفعنا للقيام بذلك كُرهاً.


• باحث إعلامي أول-مجلس الشورى العماني
Amal.shura@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك