السنة الجديدة

أسماء القطيبيَّة

ها هي سنة ميلادية تحزم حقائبها مُتيحة لسنة جديدة بالقدوم، داعية إيَّانا لنلقي على سالف أيامها نظرة أخيرة، نرى فيها أنفسنا كما لم نرها حين كنا في المواقف، نتخذ القرارات ونخلق التبريرات. كما أنَّنا نحتاج لاسترجاع تاريخ عام مضى لنمضي قدما، فكما يقول أحدهم "لم أحتج شيئًا في حياتي مثلما احتجت للتجاوز"، تجاوز الألم والفقد والأحداث السيئة للاستمرار، معاهدين أنفسنا أن نبذل الجهد لنكون أفضل ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

ولعلَّ أهم الأمور التي يفترض بنا أن نُعيد النظر فيها هي علاقاتنا مع الآخرين، الاهتمام الذي منحناه.. هل كان لمن يستحقونه فعلا؟ هل كنا حاضرين قلبا وقالبا كفاية للأحباء الذين نخشى -أكثر ما نخشى- أن نفقدهم؟ وماذا عن أولئك الذين أجبرتنا الظروف على الابتعاد عنهم؟ هل حرصنا على مد الجسور وفاءً لأيام جميلة قضيناها برفقتهم؟ وإن كنت أيها القارئ العزيز تعرفت في السنة المنصرمة على أصدقاء جدد تمنيت لو أنك تعرفت عليهم من قبل، فأنا أهنئك على هؤلاء الأصدقاء؛ لأنهم منحوا روحك معنى متجددا للحياة، وأسبابا أخرى للوجود فيها. أما أولئك الأشخاص الذين لا يكفون على تعكير أوقاتك بتشاؤمهم وتحبيطهم المستمر فإنهم لسوء الحظ لن يكفوا عن فعل ذلك في السنة المقبلة، وليس ثمة ما يمكنك أن تفعله حيال الأمر سوى أن تُتقن تجاهل ما يقولونه أكثر، تحمي نفسك وعقلك من سلبيتهم، وتكف عن تحميل نفسك فوق طاقتها من الخوف والقلق.

علاقتنا مع أنفسنا هي الأخرى بحاجة إلى مراجعة، ولن تكون صادقة إلا إذا توقفنا عن خداع انفسنا لتبرير مواقفنا وتصرفاتنا، فليس أسوأ من أن نُجمِّل أنفسنا حتى لا نشعر بالذنب. وعلى الجانب الآخر فهي ليست بحاجة إلى ذلك التعنيف المتواصل، فبعض المواقف تفرضها الظروف المحيطة وبعضها الآخر تتحكم فيه عواطفنا وعلاقاتنا مع الآخرين؛ لذا فلا بأس بالتنازلات من وقت لآخر. كما أنَّ النفس بحاجة دائمة لتعزيزها والافتخار بإنجازاتها، التعزيز الذي يأتي من ثقتنا بأنفسنا، ومن حقِّ أنفسنا علينا أن نهبها وعودا صادقة لسنة جديدة، مثل أن نكون أكثر اهتماما بصحة أجسادنا، وأن نعزز الجانب الروحي الذي تحاول الحياة المادية سلبه منا، وأن نبحث عن المعرفة أينما وُجِدت.

بالنسبة لي، كانتْ هذه السنة مختلفة كثيرا، سنة التغيير الكبير سواء على مستوى القناعات أو على مستوى التجارب. توقَّفتْ عن الدخول في نقاشات عقيمة مع أشخاص هدفهم الانتصار لما يؤمنون به، ومع أولئك الذين يستعرضون عضلاتهم اللغوية للتباهي بمعارفهم الضحلة. وعن التحدث عن قناعاتي في أمور دينية ومجتمعية تجنبا للجدل والصدام الذي لا جدوى من ورائه. وأجدني مُمتنة لكل هذا التغيير، ممتنة لكل كتاب قرأته ساهم في تكوين فكرة وتبديل أخرى، للوقت الممتع برفقة رواية جميلة، وممتنة للعائلة والأصدقاء الذين يشكلون لي دافعا قويا للعيش. وممتنة لتحقيق بعض الأهداف التي وضعتها نصب عيني، وإن كانت ثمة أمنية وحيدة للسنة المقبلة؛ فهي أنْ لا أبقى حيث أنا، وأنْ لا أكفَّ عن التغيير.

أتذكَّر من فيلم شاهدته مؤخرا هذه العبارة التي كانت من ضمن حوار بين صديقين: "إن كنت تريد الفوز باليانصيب، فعليك أن تعمل لتحصل على ثمن شراء تذكرة اليانصيب"، وعلى غرارها فإنْ كُنت تريد أن تحظى بسنة جيدة فعليك أن تعمل لتجعلها كذلك، ولتدعو أن يكون الحظ حليفك فلا تصادف الكثير من العراقيل، استمتع بالسنة الجديدة كما لو أنها الفرصة الأخيرة للتجربة. لا تقاوم التغيير في أفكارك وآرائك، وتوقع الأفضل لتحصل عليه. وعام مليء بالإنجازات وتحقيق الأمنيات أيها الأعزاء.

asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك