لماذا أصبح شاينا خمرا ؟

سيف بن سالم المعمري

ليست هي المرة الأولى التي تقوم فيها حماية المستهلك بضبط العمالة الوافدة وهم يرتكبون مخالفات آثمة تتعلق بالتعدي السافر على الإجراءات والأنظمة الصحية والاستهلالية في إعداد المأكولات والمشروبات وتسويقها وبيعها للمستهلك دون مراعاة لصلاحيتها أو ملاءمتها للاستخدام الآدامي.

ولا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن سيناريو جديد ضمن مجموعة سيناريوهات تصيغها العمالة الوافدة وهم يتلاعبون بالحد الأدنى من حقوق المستهلك، وهو حصوله على سلعة أو خدمة بالجودة التي ينشدها.

ولا أعلم يقينًا ما هي الدوافع التي تحفز العمالة الوافدة على ارتكاب هذه المخالفات الآثمة وقد تهيأ لهم في السلطنة كل التسهيلات والإمكانيات للكسب الحلال والحياة الآمنة المطمئنة، ولينعموا بحقوقهم الكاملة طوال فترة إقامتهم بالسلطنة.

وكثيرًا ما سمعنا عن الغش التجاري وما يُصاحبه من تدليس للسلع وأخفاء عيوبها، والتلاعب بالأسعار وبكميات السلع وأوزانها وأحجامها وقد توجد في معظم الأسواق داخل السلطنة وخارجها ويتم معاقبة المخالفين بالجزاء الرادع لضمان حقوق المستهلك؛ ولكن أن يكون الغش والتدليس وارتكاب المخالفات الآثمة في تقديم سلع وخدمات تتعلق بحياة الإنسان وقد تتسبب في تسممه، أو مضاعفات مزمنة للمستهلك، وقد ينتج عنها حالة وفاة - لا قدر الله - فهذا أمر بالغ الخطورة ويجب أن يكون الجزاء من جنس العمل، لأنها محاولات لتسميم وقتل أنفس بريئة، وهي تعدِ مباشر على حياة الإنسان .

وقد جاء ضبط حماية المستهلك بمحافظة ظفار مؤخرًا لعمالة وافدة متجولين يبيعون الشاي المخلوط بمواد منتهية الصلاحية وممزوج بالخمور والمواد المخدرة الأخرى ويتم إعداده في بيئة غير ملائمة صحيًا وفي أواني وأدوات متسخة، ليبعث المخالفون من خلالها رسالة إلى الجهات المسؤولة في السلطنة ولسان حالهم يقولون: " إننا عازمون على تسميمكم والعبث بحياتكم وحياة من تعولون، فأنتم تشربون وتأكلون مما نعده لكم بأيدينا". وقد سبق لي أن أشرت في مقال سابق نشر في الخامس من أغسطس الماضي وجاء بعنوان: " نحو سياحة مستدامة في ظفار" إلى استغلال العمالة الوافدة وخاصة المتجولين منهم في تقديم السلع والخدمات للمستهلك دون مراعاة للاشتراطات الصحية والبلدية وقد استشهدت وحذرت من خطورة السماح للعامل الوافد الذي يبيع الشاي والكرك في وادي دربات بمحافظة ظفار رغم أنّ مهنته (حسب بطاقة العمل) فني أجهزة تكييف بصناعية ولاية مرباط (حسب إفادة العامل الوافد بنفسه) .

وفي العام الماضي ضبطت حماية المستهلك بمحافظة ظفار العمالة الوافدة الذي يقومون بإعداد حلويات الأطفال الممزوجة بأصباغ الأظافر، وفي مطلع العام الدراسي الحالي ضبطت حماية المستهلك بالمحافظة العمالة الوافدة الذين يبيعون المواد المخدرة في مكتبة بيع الأدوات القرطاسية وقد أخفوها في تجاويف فتحوها في الدفاتر الدراسية، ناهيك عن المخالفات المتكررة للعمالة الوافدة في بيع المواد الغذائية المنتهية الصلاحية وتغيير تواريخ الإنتاج وبيع اللحوم والدواجن والأسماك الفاسدة، واتخاذ العمالة الوافدة للمساكن التي يعيشون فيها ملاذا آمنا لإعداد الأطعمة غير الصحية، وهي مشاهد متكررة في جميع محافظات السلطنة.

ولا أجد أيّ مبرر للعمالة الوافدة في تكرار المخالفات آنفة الذكر إلا في عدة دوافع أولها: عدم تغليظ العقوبة على المخالفين وكما يقال: " من أمن العقوبة، أساء الأدب" ، وثانيها : تفشي التجارة المستترة في بلادنا والتي تتحمل الحكومة مسؤوليتها أولاً، والمواطن ثانياً، وثالثها: التسهيلات المفرطة التي يجدها العامل الوافد في السلطنة والتي تتيح له القيام بممارسة أيّ نشاط يناسب إمكانياته والمكان الذي يوجد فيه، ورابع تلك الدوافع هو: العشوائية التي يجدها العامل الوافد في سوق العمل المحلي بالسلطنة من حيث سكن العمالة الوافدة - وسبق لي أن تطرقت إلى ضرورة وجود المجمعات السكانية العمالية في مقال سابق-، ومواقع ممارسة الأنشطة التجارية، والاشتراطات اللازمة، والتشديد ضد المخالفين بالعقوبة الرادعة، ولو وجدت المجمعات السكنية العمالية لسهل على الجهات المعنية المتابعة، والانضباط ، والنظام، أما الدافع الخامس فهو المستهلك الذي يغلب على الكثير منهم اللامبالاة والإفراط في تناول المأكولات والمشروبات من العمالة الوافدة وخاصة المتجولين منهم، كما إنّ على الكفيل مسؤولية أخلاقية ووطنية في عدم السماح للعامل الوافد بممارسة التجارة المستترة لأيّ سبب كان .

لذا يجب ألا تمر حادثة مزج الشاي بالخمر والمواد المخدرة على الجهات المعنية مرور الكرام، بل يجب أن يتم التعامل مع القضية بالاستقصاء والتحليل، وأن ينال المخالفون الجزاء الرادع، ولا نفوت عليهم حماقتهم وعزيمتهم على تسميمنا والعبث بحياتنا، وألا نكتفي بمعاقبتهم حتى نعلم يقينًا منهم : لماذا أصبح شاينا خمرًا؟.

saif5900@gmial.com 

تعليق عبر الفيس بوك