هذه هي سياستنا يا تركي الحمد

صالح البلوشي

من حق الروائي والمفكر السعودي تركي الحمد أن يدافع عن سياسة بلاده الخارجيّة وخاصة في قضية مصيريّة مثل الحرب على اليمن، ولكن ليس من حقه الإساءة إلى السلطنة وسياستها الخارجية، والزعم أنّها لا تنسجم مع منظومة مجلس التعاون الخليجي ولا تثق بها لمجرد أن السلطنة رفضت المشاركة في "التحالف" الذي تقوده السعودية لضرب اليمن، فقد كتب الحمد في برنامج التواصل الاجتماعي ( تويتر) يوم الأحد 20/ 9/ 2015 ما نصه: " معضلة عمان هي في كونها دولة خليجية جغرافيًا ولكنّها لا تريد أن تكون كذلك سياسيًا، ولا تثق بمنظومة التعاون، ومن هنا يجب أن نفهم سياستها الخارجية". من يقرأ هذه التغريدة يُدرك جيدا أن تركي الحمد لا يعرف شيئًا عن السياسة العمانية سواء في علاقتها مع منظومة مجلس التعاون أو سياستها الخارجية، مع أنّالمعروف عن الحمد أنه من المفكرين الذين يمتلكون رؤية نقدية سياسية وثقافية وفكرية جيدة، ولكن يبدو أن اشتداد أوارالحرب اليمنية وسياقاتها العسكرية والسياسية -التي يبدو أنّها كانتخارج توقعات الدول المشاركة في "التحالف"-لعبت دورًا في هذه التغريدة، خاصة أنّها جاءت بعد يوم واحد فقط من استهداف طيران "التحالف" لمنزل سعادة سفير السلطنة في صنعاء الذي تسبب في أضرار جسيمة بالمبنى.لا أريد في هذا المقال الكتابة عن دور السلطنة في منظومة مجلس التعاون الخليجي، فهو دور يعرفه الجميع ولا يضيرنا إن كان تركي الحمد أو غيره لا يعرفونه.ولكني أشير فقط إلى بعض المواقف التي ربما لا يعرفها تركي الحمد، أو ربما يعرفها ولكن الأحداث الحالية جعلته لا يتذكرها، ولكن قبل ذلك أُذكّر تركي الحمد عن أسباب رفضالسلطنة التورط في الزج بنفسها في أتون الحرب على اليمن، لقد استطاعت السلطنة طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية بحكمة قائدها صاحب الجلالة المعظم حفظه الله وحكومته أن تبني سياسة تقوم على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والدعوة إلى فض المنازعات المسلحة بالطرق السلميّة، وبهذه السياسة الحكيمة -التي أشاد بها الشرق والغرب - استطاعت السلطنة تجنيب المنطقة الكثير من الويلات والحروب والصراعات التي كادت أن تعصف بالمنطقة وتقضي على الأخضر واليابس فيها، وكانت آخرها دورها التاريخي في الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى التي أبعدت شبح حرب نووية في المنطقة وقى الله شعوبها شرورها، ولكن بدلا من شكر السلطنة على دورها في ذلك- كما فعلت الدول الكبرى- قام البعض بالهجوم عليها في مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات العربية وكأنّها كانت تتمنى حربًا في المنطقة، وتمتع عيونها بمشاهدة مناظر الدمار والخراب وهي تطال البنى الأساسية فيها ثم إنّ بقاء السلطنة خارج الصراع في اليمن أتاح لها أن تلعب دورًا أساسيًا في الإشراف على المفاوضات بين الأطراف اليمنية المختلفة من أجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة التي دمرت ما بناه اليمنيون طوال العقود الماضية، وأرجعت هذا البلد العربي الشقيق إلى عصر ما قبل التاريخ. وعودة إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي: فهل يعلم تركي الحمد أنّ السياسة العمانية هي التي كانت طرحت بعد الغزو العراقي للكويت فكرة إنشاء جيش خليجي يتكون من مائة ألف جندي يكون قادرًا على حماية دول المنطقة من أي اعتداء خارجي؟ فمن الذي رفض الفكرة؟ لقد تمّ رفض المشروع برمته لأسباب واهية لا داعي لذكرها.وعندما اجتاح الجيش العراقي الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990 كانت إذاعة سلطنة عمان الرسميّة هي أول وسيلة إعلاميّة في دول مجلس التعاون الخليجي تعلن خبر الاجتياح بعد ساعات فقط من حدوثه، بينما كانت بعض العواصم الخليجية تستقبل بالأحضان عزة إبراهيم نائب رئيس الجمهورية العراقي، وكان الجيش السلطاني العماني أول جيش يدخل العاصمة الكويت بعد تحريرها من الاحتلال العراقي، وأخيرًا - وليس آخرا- من الذي ساعد على نزع فتيل الأزمة بين السعودية والإمارات من جهة ودولة قطر من جهة أخرى التي كادت أن تفجر المنطقة؟ ألم تلعب السلطنة دورًا كبيرا في ذلك؟

وأخيرًا، إنّ السلطنة عندما رفضت الدخول في الحرب اليمنية فإنّها لم تفعل ذلك لأنّها تؤيد طرف ضد آخرهناك، فالسياسة العمانية تقوم- كما ذكرنا- على مبدأ معروف وهو عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ورغم ذلك فإنّها لم تسلم من الأقلام والألسن المسمومة التي تتهمها- ظلما - بالإنحياز للحوثيين، ويا ليت هؤلاء يحدثوننا: أين كانوا عندما كان الحوثيون يسيطرون على المدن اليمنيّة الواحدة تلو الأخرى؟ أم أنّ شجاعتهم لم تظهر إلا عندما بدأت طائرات "التحالف" بقصفالمواقع اليمنية التي طال كثيرًا منها مواقع مدنية وسقط فيها مئات الضحايا من الأبرياء باعتراف المنظمات الدوليّة؟ لماذا لم يتحدث تركي الحمد أو غيره في تلك الفترة عن التمدد الحوثي في اليمن وآثاره على مستقبل اليمن والمنطقة؟ كنت أتمنى من المفكر والروائي تركي الحمد اليوم أن يُطالب بوقف هذه الحرب المجنونة التي لن تنتهي بانتصار أحد وإنّما كل الشواهد تؤكد أنّها تؤدي إلى مزيد من الدمار لليمن والمنطقة، ولكن للأسف فإنّه عندما يغيب التفكير النقدي عند المثقف لصالح التفكير التقديسي والتبجيلي تكون النتيجة غياب الرؤية الصحيحة والمنهج العلمي في طرح الرأي.

Omansur5@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك