حين تتحدث الصورة.. ويصمت العالم!

مسعود الحمداني

في عام 1993م التقط المصوّر الجنوب أفريقي كيفن كارتر صورة لطفل ضعيف وعاجز ووحيد في جنوب السودان يزحف للوصول إلى أقرب مركز للإغاثة، وبجانبه نسر يتأهب لالتها  مه حين يموت..
كانت الصورة بشعة، هزّت ضمير العالم، كما أرعبت ضمير كيفن الذي كان مهتما بالتقاط أفضل صورة ممكنة أكثر من اهتمامه بمساعدة الطفل..حيث انتظر أكثر من عشرين دقيقة لينظر ماذا سيفعل النسر بضحيته التالية قبل أن يلتقط الصورة!!
بعد عام واحد انتحر المصوّر بسبب الاكتئاب الذي صاحبه نتيجة ذلك المشهد البشع..
(2)
في العام 2000م تداول الإعلام العالمي صورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة، وهو يتوارى خلف والده، ويحتميان خلف جدار اسمنتي، تفاديا لرصاص الجيش الإسرائيلي ورصاص المقاتلين الفلسطينين..
صورة هزت ضمير العالم، ولكنها لم تغير الواقع.
(3)
أحدث الصور المرعبة..وليس آخرها بالطبع..صورة الطفل السوري (إيلان الكردي) التي تداولتها وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، وهو ملقى على الشاطئ بكامل براءته، مرتديا حذاءه، وملابسه الأنيقة، بعد أن لفظ  البحر جثته..
صورة بشعة هزت ضمير العالم..ولكنها لن تغيّر الواقع المؤلم..
(4)
الصور البشعة كثيرة..ولعل بعضها يحظى بفرصة النشر أكثر من غيرها، ولكنها مجرد تعبير رمزي لمآسٍ لا تنتهي في هذا العالم، صورٌ تُظهر تلك الفظاعة الإنسانية التي يرتكبها الإنسان بحق أخيه..وآلة الدمار الذي يتمتع به هذا الكائن الذي لم تثنه الحضارة والتكنولوجيا والعلم من ممارسة جريمة قتل بني جنسه، وإبادتهم، وكأنه لا يريد في هذا الكون سوى من يتآلف معه من البشر، وحتى حين يتحقق له ذلك سيخترع وسيلة جديدة لقتل كل من يعيش معه على الكوكب، ليبقى وحيدا دون منازع..وقد ينتحر حينها نتيجة الاكتئاب والوحدة.
(4)
ربما كانت صورة التونسي (البوعزيزي) وهو يحترق واحدة من الصور التي غيّرت الواقع، حين أشعلت شرارة (الربيع العربي)، غير أن الشعوب لم تجنِ من ذلك الربيع غير الشوك الذي ما زالت تتجرّعه منذ سنوات..
التغيير في الدول التي نجحت في اقتلاع طواغيتها لم يأتِ بسبب الصورة الفوتوغرافية..ولكنه جاء نتيجة تراكمات اجتماعية، حرّكتها إرادة شعبية لتغيير (صورة الواقع) البشعة التي أنتجتها ديكتاتوريات غبية.
(5)
وفي سياق الصور المؤلمة (المحلية)..تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورا لتأثير الأمطار يوم الجمعة الماضي على العاصمة مسقط والتي لم تستمر إلا ساعات، ومع ذلك كشفت سوء التخطيط في البنية الإنشائية للشوارع، والجسور، وتصريف المياه..ولن نذكر مستشفى النهضة لأنه اعتاد على مثل هذا الوضع مع كل زخة مطر..
صورٌ قد تكون صادمة للكثير من المواطنين والمسؤولين..ولكنها مجرد صور لن تغيّر من الواقع شيئا..تماما كبقية الصور التي يتم تداولها على سطح الكرة الارضية ثم يتناساها العالم!!

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك