"الطائي" يبحر برواد "مجلس ميثاق"عبر أشرعة الفكر والصحافة.. ويؤكد: نعيش سقفا عاليا من الحرية الإعلامية

"عفا الله عما سلف" كانت إيذانا بعودة الطيور المهاجرة إلى دفء أحضان الوطن

- شغف صناعة السينما قاد خطاي إلى إسبانيا ونيويورك

-لابد من إعادة النظر في مفهموم العمل وقيمته الاجتماعية

- الصحافة الإلكترونية تكمل دور "الورقية" وليست بديلا لها

- إعلام المبادرات امتياز لـ"الرؤية" ويستند إلى قناعتنا بدور الجريدة في المسؤولية المجتمعية

 

تنقل حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية، برواد مجلس ميثاق بين عوالم عديدة، وحلق بهم في آفاق رحبة تعانق فيها كاميرا السينما أقلام الصحافة، وبجوارهما مطرقة القانون..

اصطحب الطائي الحضور في رحلة استثنائية إلى حيث أبصر النور ابتداء بالبحرين، ثم إلى مسقط التي كانت وقتئذ تستشرف بواكير عهد جديد مع تولي جلالة السلطان المعظم مقاليد الحكم، وجال الطائي بحضور المجلس في مدن وقرى المغرب حيث خبرها دارسا للقانون في رحاب أعرق جامعاتها.. وفي إسبانبا حلق الطائي بمستمعيه فوق أطلال الأندلس حيث قصر الحمراء ما يزال ماثلا بعظمته.. وهناك ولج محدثنا عالم صناعة السينما، ليقود شغف الاستزاده من هذا الفن الساحر إلى فرنسا، ومنها شد الرحال الى نيويورك حيث أساطين الفن السابع.. وفي عاصمة العالم التقى هناك بجهابذة الفكر والأدب، فكان أن صادق إدوارد سعيد واتخذ من كتاباته ملجأ يلوذ إليه في تلك البلاد البعيدة التي تموت "من البرد حيتانها "..

أثرى الطائي مجلس ميثاق في الأمسية الاستثنائية التي استضافه فيها أمس الأول، بأطروحات تجاوزت الذاتي إلى العام.. وكانت جريدة الرؤية ومبادراتها حاضرة في المشهد السردي، بجانب مناقشة واقع وتحديات الإعلام العماني؛ وشهدت الأمسية التي أدار دفة الحوار فيها الإعلامي موسى الفرعي، حضورًا نوعيا من قبل العديد من الشخصيات المرموقة والصحفيين والإعلاميين وطلبة الجامعات والكليّات وعدد من موظفي ميثاق للصيرفة الإسلامية.

 

الرؤية- فايزة الكلبانية - نجلاء عبدالعال - أحمد الجهوري- أسماء البجالية

تصوير/ راشد الكندي

 

 

بواكير الصبا

استهل الطائي الحديث بتسليط الضوء على جوانب من محطّات حياته حيث إنه ولد في دولة البحرين، وأنه بحكم عمل الوالد تنقل في صغره ما بين السعودية والبحرين ودبي وابوظبي حتى لحظة تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - مقاليد الحكم، ومن ثم العودة من الغربة والدراسة في المدرسة السعيدية والمساهمة في ملحمة بناء الوطن.

ويتابع: نشأت في مسقط وكانت منطقة صغيرة في ذلك الوقت، بها عدد من الحارات كحارة العجم، والتكية، والمدبغة، ولكن كانت لكل حارة هويتها وثقافتها الخاصة التي كنا نتعلم منها الكثير.. وبعد أن كبرنا قليلا بدأنا بالتوسّع عن نطاق مسقط لاكتساب مزيد من الثقافات والمعارف الحياتية المتاحة في تلك البيئات.. كانت مسقط في ذلك الوقت مفعمة بالنشاط والحيوية والبهجة التي عادت إلى السلطنة مع عودة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- فمقولة جلالته "عفا الله عما سلف" كانت إيذانا بعودة الطيور المهاجرة، وهي مفعمة بالعزم على بناء الوطن والمشاركة في ركب النهضة.

ويشير الطائي إلى أنّ لكل إنسان ذكرياته التي لاتنسى إبّان فترة الطفولة، لافتا إلى أنه كان محاطًا بعدد من أصدقاء الصغر؛ منهم على سبيل المثال السيد علي البوسعيدي، والشيخ فيصل بن خميس الحشار، والسيد حمود بن فيصل وزير الداخلية، والسيد سلطان بن حمد، بالإضافة إلى أن هناك كوكبة لا يتسع المجال لذكرها ولكنّهم كانوا من خيرة الناس الذين حملوا الوطن في حدقات عيونهم خلال العشرين سنة الأخيرة.

محطات التعليم

ويبحر الطائي في ذكريات الصبا بالقول: المدرسة السعيدية محطة لاتنسى في حياة من ارتادها.. فقد كانت صرحًا تعليميا فريدًا، والجيل الذي تعايشت معه في فصولها الدراسية كان مليئا بالطاقة والحيوية، فمنهم من أصبح سفيرًا ومنهم من صار وزيرا، ويمكنني القول بكل فخر إنه جيل قدم الكثير وما زال يقدم إلى يومنا هذا.

ويواصل الطائي: ثمّ انتقلنا بعد ذلك للدراسة في مدرسة جابر بن زيد الثانوية، ولم تكن الكتب التعليمية والمناهج متوفرة في ذلك الوقت لذا استقينا العلم من المناهج اللبنانية ثمّ المناهج القطرية وبعد ذلك نهلنا من المناهج العمانية.

ويستطرد: كانت بداياتي بعد الدراسة هو ابتعاثي لدولة المغرب لدراسة الأدب وقد اخترته كونه هوايتي كالقراءة والكتابة والشعر فوالدي كان شاعرًا، وبالتالي نشأ حب الأدب لديّ دون أن أشعر بذلك.. فانخرطت في مجال الحقوق لأهميته القصوى، وتعد دراسة الحقوق من أصعب الدراسات وأكثرها مشقة كونها تعتمد على الحفظ، وتحتوي على مجلدات هائلة في القانون الدولي والجنائي والتجاري والقانون الأدبي.. الخ، إلا أنني كنت من المتفوقين في هذا المجال.

لغات واهتمامات

وردًا على موسى الفرعي حول إجادته أربع لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية، قال إنّ ما دفعه لإجادة ذلك الكم من اللغات هو شغفه بالعلم، بجانب حبه للسينما، مبينا أنه زار فرنسا ودرس السينما، وتجربته كبيرة في ذلك، وقد كانت تلك السنين من أجمل أجمل سنوات العمر، مؤكدا أنّ الإرادة هي من تشكل الإنسان وليس المال وهي من تحقق أحلامه، وأنه إنسان مغامر وقد مرّ به وقت كان لا يتوقع فيه العودة لعمان لشغفه الكبير بالحياة في الغرب. ومضيفا في جوانب الترحال هذه أنه سافر إلى أمريكا وعاش في نيويورك لمدة تقارب الـ 7 سنوات.

وقال الطائي: في معظم الجامعات الأمريكية وفي نيويورك بالتحديد يُدرّس تخصص السينما، وقد درست في نوع من أنواع الجامعات المفتوحة والتي أسسها علماء ألمان هربوا من النازية في الأربعينيات من القرن الماضي، وأسموها جامعة المدرسة الجديدة للدراسات الاجتماعية، وكنت أدرس بها في الفترة المسائية لمدة سنتين وحصلت حينها على الدبلوم في التصوير السينمائي، واقتنيت كاميرا وقمت بتصوير مجموعة من الأفلام القصيرة.. وبعدها عدت إلى السلطنة، وبعد سنوات من عودتي وفي الثمانينيات تحديدا قمت بتصوير فيلم سينمائي اسمه "الوردة الأخيرة" وهو فيلم مدته نصف ساعة وكان من أوائل الأفلام العمانية، بعدها عملت على فيلم طويل اسمه "شجرة الحداد الخضراء" وتمّ تصوير الفيلم على مدى ثلاث سنوات، وفي حقيقة الأمر كانت السينما وقتها صعبة وليست مثل ما هي عليه الآن حيث تطورت الآن تكنولوجيًا.

ويتابع: للأسف لم استمر بالسينما بالسلطنة لأنّ هناك الكثير من التحديات التي جابهتني، واكتشفت حينها أن هناك مشروعا آخر ينتظرني، فأسست مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، وهو عبارة عن مشروع أسسته عام 1994 ويرتبط بنشر الكتب، فقد كنت أشعر أن عالم الكتب الأكثر تحققا وانتشارا بالسلطنة من السينما، فالقيام بتصوير فيلم سينمائي كان يعتبر أحد أشكال الجنون، ورغم ذلك فالتجربة السينمائية التي عشتها هي التي ولدت في داخلي الأحاسيس التي أعيشها الآن في مجال الصحافة والنشر.

 

صناعة السينما

ويستطرد: السينما صناعة ولا يمكن أن نفرط فيها مهما كان، ولايمكن لفرد واحد أن يقوم بصناعة السينما، أو تمويل فيلم سينمائي، يجب أن تتكاتف جهود عدد من الجهات للخروج بعمل سينمائي، فعملية الإنتاج مكلفة وتصل إلى آلاف الريالات، ولم يكن المجتمع العماني حينها بذلك الوعي، ولم تكن توجد وزارة معينة تتبنى مثل هذه المشاريع، وكان لدى المسؤولين توجس، ولسان حالهم يقول: "لماذا تتعب نفسك وتبحث عن صناعة السينما بالبلد حيث تنصدم بالإحباط وانعدام التحفيز ؟ " .

ويمضي الطائي قائلا: لذلك مشروع الأفلام والسينما مشروع مهم جدا ويجب أن تتبناه مؤسسة معنية، وعلينا ألا ننظر للمردود المادي وإنما المردود المعنوي الذي يتحدث عن شعب معين ويحكي من خلال تلك الأعمال السينمائية تاريخه وهمومه وشاعريته وفق رؤية معينة ولكن للأسف لم يتحقق ذلك سابقًا، وكان بالامكان أن نجني الكثير، وإلى الآن كثير من المسؤولين ليس لديهم هذا الفكر حيث يعتبرون هذا الأفكار هي أفكار مثقفين حالمين، ولا يعيرون ذلك أي اهتمام، بل تذهب تلك الأفكار والمشاريع السينمائية أدراج الرياح، ومع ذلك أنا أقترح أن تتبنى السلطنة كل سنة إنتاج فيلم سينمائي طويل حتى وإن كلف 400 ألف ريال حتى نصل بحكاياتنا وتفاصيلنا إلى العالم .

سنوات في نيويورك

ويعود الطائي مرة أخرى لسنوات الدراسة والعمل ويقول: لقد حصلت على بعثة لدراسة الماجستير لمدة 3 سنوات، وبعد الدراسة اشتغلت لمدة 3 سنوات بمهنة تدريس اللغة العربية في دوائر دراسات الشرق الأوسط والترجمة وهما المجالان الأساسان اللذان عملت بهما، واشتغلت بجانب آخر في مجال السينما ولكن مقابل مبالغ زهيدة من الدولارات، بينما دراسة اللغة العربية في نيويورك كانت تصل إلى 20 دولارا بالساعة ويعتبر هذا مبلغا كبيرا في تلك الفترة وعلى حياة بسيطة، ونيويورك بها فرص متعددة في مجال اللغة العربية حيث الطلب مستمر من المنظمات ومكاتب المحاماة وقنوات التلفزيون كذلك الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.

ويسترسل: كنت أستغل أوقات فراغي في القراءة والاطلاع، كنت أول شخص يدخل مكتبة الجامعة منذ الساعة 8 والنصف صباحًا وأخرج آخر شخص عند الساعة العاشرة مساءً، وكان يوجد وقتها بالجامعة المفكر الفلسطيني الرائع إدوارد سعيد.. تعلمت منه الكثير فهو رجل موسوعة في الفكر وكان وجوده يعطي ثقلا للعرب في نيويورك عاصمة اليهود في العالم، ولن أبالغ إنّ قلت إن يهود نيويورك أكثر من يهود إسرائيل، فجارك يهودي وأستاذك يهودي وأغلب من حولك يهود، الأمر الذي يضطرك لأن تكون على حوار دائم ومستمر معهم حول القضية الفلسطينسة الساخنة.

ويكشف الطائي في خضم سرده هذا عن الشخصيات التي تركت أثرًا في حياته ويقول إن سماء عيسى الشخصية الاستثنائية في حياته فهو أكثر من مجرد أخ وشخص، كذلك إدوار سعيد الذي تعلم منه الكثير وأعجب به أيما إعجاب.

وينتقل الطائي بعد ذلك إلى مسيرة الرؤيا في مجال الصحافة والتي أوضح أنّها بدأت بعد تجربة تعلم من أخطائها، وكان التفكير بداية منصبا حول إصدار مجلات تجارية، وكان ذلك في أواخر التسعينيات، لكنّ المحاولة قوبلت بالرفض وتحديات جمة، وهنا أكّد أنّ الشباب عليه أن يعرف تمامًا أنّ النجاح لا يخلو من صعوبات وأحيانًا عقبات قد يستغرق تخطيها سنوات طويلة خاصة إذا كان المشروع رائدًا أو جديدا على المجتمع.. وهذا ما حدث خلال تجربته.

ويضيف: إنّه لم يتم الحصول على الترخيص إلا في عام 2000 حيث كانت الانطلاقة لترخيصين أحدهما لمجلة السيّارات التي تصدر بالإنجليزية ومجلة الرؤيا، وكانت البداية بعد دراسة جيدة للسوق العماني ومعرفة نقاط قوته وضعفه، ورغم ذلك كان مرت التجربة بوقت طويل حتى استطاعت المجلتان الوقوف على قدميهما والاعتماد على الإعلانات كمصدر للدخل وتغطية التكاليف، وتجاوز مصاعب البداية المكلفة.

ويردف أنه في عام 2007 كانت الانطلاقة الجديدة للتفكير في إصدار جريدة مع تغيير قانون المطبوعات والنشر، موضحا أنّ النجاح في المجال الإعلامي والثقافي لا يرتبط دائما بتحقيق ربح مادي، موضحا أنه اختيار صدور جريدة يومية اقتصادية لأن المجتمع كان يفتقد لهذا النوع من الصحف اليومية، مبينا أنّ هناك عددًا من الصعوبات التي واجهت انطلاق الجريدة، بعضها ارتبط بمدى توفّر المعلومات والأرقام، وكانت الخطة أن تقدم الجريدة للقارئ ما يلزمه من مواد صحفية في مختلف المجالات مع جرعة أكبر في الاقتصاد، لذلك لم يكن من الصعوبة أن نُحدث تطورًا، فالجريدة الآن تقدم تلك الجرعة عبر شكل مستقل مع الجريدة الشاملة، حتى يتواءم الشكل الجديد مع اختيار القراء واهتماماتهم المتنوعة بين مجموعة وأخرى بل ومقابلة تنوع اهتمامات القارئ نفسه.

وحول سقف الحريات المتاح في السلطنة يؤكد الطائي أنّ عمان تعيش حاليًا في ذروة سقف الحريات، ويشير إلى أنه كرئيس تحرير لم ترد إليه اتصالات من أي جهة كانت تفيد بتقيّيد حرية النشر أو توجيهها.

 

إعلام المبادرات

ويمضي قائلا: إن أهم ما قدمته الرؤية في مجالها هو إعلام المبادرات، والذي جاء لقناعتنا التامة بأن لنا دورا في نشر مفهوم المسؤولية المجتمعية وأيضا من باب خدمة الوطن ورد الجميل إليه، فكل إنسان مسؤول عن التنمية من منظور المواطنة، وقد قدمنا ندوات كثيرة ثم قدمنا عدد من الجوائز في الاقتصاد وريادة الأعمال ومبادرات الشباب، وكلها ولله الحمد حققت نجاحًا مدهشا.

ويؤكد الطائي أن الصحافة الإلكترونية تكمل دور الصحافة الورقية، وليس هناك تضارب بينهما، ولن تنتهي الصحافة الورقية في المدى القريب على أقل تقدير، مشيرا إلى أنّ الإعلام بحاجة لوضع إستراتيجية ولكن المشكلة الحقيقية هي عدم التنفيذ لهذه الاستراتيجيات، ويجب إعادة التفكير والنظر في كتابة الاستراتيجيات ومتابعتها.
العمل قيمة سامية

ويشدد الطائي على أهميّة إعادة النظر في مفهموم العمل، وقيمته الأجتماعية، خاصة لدى بعض الموظفين الذين وللأسف الشديد لا ينظرون إلى مخرجات العمل بل الساعات ومتى ينتهي يوم العمل أو متى يحصل على راتبه، ناصحا بأن يكون هناك دافع ذاتي داخل كل شاب وفتاة في مقتبل العمر وحتى قبل تخرجهم فيبحثون عن عمل في إجازة الصيف، وهو ليس شيئا جديدا فجميع الشباب في السبعينيات كانوا يعملون في فترة الصيف الفقير والغني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك