خلفان الزيدي يرسم بالكلمات في "الطريق 60" رحلة وفد صحفي عُماني للأراضي الفلسطينية

مسقط - رويترز

يرسم الصحفي العماني خلفان الزيدي في كتابه "الطريق 60" بالكلمات لوحة فنية لرحلة وفد من الصحفيين بسلطنة عمان للأراضي الفلسطينية، ويجد نفسه من فرط نبض اللوحة بالحياة يعيش الرحلة وكأنه مشارك فيها. وعلى الرغم من أنه كتاب يُصَنَف في إطار النثر وليس الشعر فإن من يطالعه يجده "تعبيرا جميلا عن الشعور الصادق" وهو تعريف عباس محمود العقاد للشعر. ويقع الكتاب في 189 صفحة وهو من إصدارات بيت الغشام للنشر والترجمة في مسقط.

ويقسم الزيدي كتابه إلى مقدمة و14 فصلا يوثق فيها رحلة 11 صحفيا منذ دخولهم الأراضي الفلسطينية من الأردن فجسر الملك حسين وطوال عشرة أيام أقاموها ثم عودتهم من حيث أتوا. وفي المقدمة (كانت تسمى فلسطين..صارت تسمى فلسطين) يصف الكاتب باليوم والساعة بتوقيت القدس الأجواء ومشاعره لحظة "دخول فلسطين".

ويكشف الكاتب أنه لم تكن لديه في البداية إجابة تُرضي المعترضين فآثر تجاهل أسئلتهم وأثناء الزيارة وبعد ما نقلوه من أحداث بالأراضي المحتلة وصمود الشعب وكفاحه ضد الاحتلال تبدلت الحالة من غضب لترحيب ومن رفض لتأييد. وفي أول الفصول (أحلام قُدت من حنين) يروي الزيدي حكايات صمود رائعة في وجه آلة احتلال جبارة لا ترحم وتبذل قصارى جهدها لتهويد الأرض وتشريد أهلها أو قتلهم. ويخلص المؤلف من تلك القصص لحقيقة مهمة هي أن "هذا الشعب عصي على الانهزام."

وبعد الأحلام يتحدث في الفصل الثاني (على الجسر أستجدي العبور) عما جرى عند جسر الملك حسين ومشاعره هو ومن معه لحظة اقترابهم من معبر الكرامة ويؤنب الأمة العربية على ما آلت إليه أوضاعها فيقول "نعبر الكرامة أو نتركها وراءنا. لا شيء مختلف فالكرامة مهدورة والأوطان ضائعة وها نحن ندخل أرضنا العربية بإذن المحتل ونقف انصياعا لأوامره وتعليماته."

ويبدع المؤلف في تصوير مشهد رؤية جنود الاحتلال لأول مرة وجها لوجه فيقول "حين شاهدنا المحتل أول مرة ورأيناه رأي العين تزلزلت أوصالنا واقشعرت أبداننا وفار الدم في عروقنا لكننا مع ذلك وطبقا للنصيحة لم ننبس ببنت شفة وكتمنا مشاعرنا الغاضبة ومضينا ننهي إجراءات الدخول حسب المطلوب."

وفي ثالث فصوله (كيف تُقهر هذه الأرض) يتحدث الكاتب عن مشاعره وهو يطل على شوارع رام الله من نافذة غرفته في الفندق الذي نزلوا به وتصوره لها وانتظاره بشغف طلوع الفجر حتى يخرج لشوارعها ويراها وأهلها ومعاناتهم في ظل الاحتلال.

ويتحدث الزيدي عن زيارة جامعة القدس في أبوديس وتوقف الحافلة التي تقلهم بعيدًا بسبب حصار جنود الاحتلال للجامعة ومحيطها ونزولهم بعيدًا. ولا يفوته أن يقدم معلومات مفيدة للقارئ عن جامعتي القدس وبيرزيت وترتيبهما وتاريخهما.

وفي الفصل التالي وعنوانه (عن طين فخارنا سندافع) يتطرق الزيدي لزيارتهم بيت لحم ومرورهم بحاجز الكونتينر سيئ السمعة على المدخل الجنوبي لبيت لحم. ويتحدث بعدها عن الجدار العازل وما يسببه من تقطيع أوصال الأرض والشعب في الأراضي الفلسطينية ثم كنيسة المهد وصوت الآذان في المسجد العمري.

وفي الفصل التالي (في زمان الحنين المُعَلب) يتحدث الزيدي عن الطريق رقم 60 الذي جعله عنوانا لكتابه وهو طريق يربط بين إسرائيل ومدن الضفة الغربية موضحا أنه المخرج من رام الله لأي مدينة أخرى. ويصف بشكل مفصل زيارتهم لمدينة الخليل والحرم الإبراهيمي بموجب البرنامج. ويحمل الفصل التالي من الكتاب عنوان (تُنسى كأنك لم تكن) ويتحدث فيه الكاتب عن زيارته للمسجد الإبراهيمي وانشغاله في الصلاة ونسيانه كل ما حوله كأنه لم يكن شيئا مذكورا ثم يتطرق للحديث عن تاريخ المسجد.

وتحت عنوان (يا صديقي أرضنا ليست بعاقر) يتحدث الزيدي عن زيارة نابلس وحكايات صمود بها وأهلها ومشهد الغروب فيها ولذة الكنافة النابلسية الشهيرة. ويتحدث فصل (كل هذا الضوء لي) عن زيارة القدس وإحكام الاحتلال سيطرته عليها وبذله كل ما في وسعه لتهويدها وطمس هويتها.

وبأسلوب راق ولغة رشيقة يصف الزيدي لحظة وصوله للحرم القدسي قائلا "أستقبل النسمة القادمة من الحرم أحضنها بكلتا يدي وأضمها في صدري وأغيب في الحلم الذي قذفني إلى هذا المكان." وفي آخر فصلين من الكتاب (أنا هنا وما عدا ذلك شائعة ونميمة) و(لماذا نحاول هذا السفر) يتحدث الكاتب عن محمود درويش الذي يبدو إعجابه الشديد به في اقتباساته من أشعاره التي ينثرها في صفحات عديدة بكتابه ويصف زيارته لقبره.

ورغم أن الكتاب يحوز الإعجاب بشكل عام فإن عليه بعض المآخذ معظمها يتمثل في اعتماده بشكل أساسي على برنامج رسمي أعدته الرئاسة الفلسطينية ونقله الكثير من الحكايات عن مرافقين رسميين فلسطينيين. ولو أنه نقل تلك الروايات عن أصحابها مباشرة وتجول بحرية لشاهد الواقع كما هو بوضوح ومصداقية أكبر.

تعليق عبر الفيس بوك