◄ نستشرف في الأيام المقبلة خيرًا، نستقبل العام الجديد بثقة هادئة، ونوايا طيبة، ويقين أن ما بعد العِجاف… أكثر خصبًا، وأكثر دفئًا للروح، وأكثر إشراقًا للحياة
ريم الحامدية
نُودِّع هذا العام لا بوصفه مجرد رقم في التقويم؛ بل باعتباره علامة فارقة، نهاية لسنواتٍ عجاف أثقلت القلب، وأتعبت الروح، وصقلت الإنسان فينا دون أن تستأذن.
نودّعه ونحن أكثر هدوءًا، وأكثر امتلاءً بالفهم، وأقل استعجالًا في الحكم على الأشياء، نودّعه ونحن نعرف أن ما مرّ لم يكن سهلًا، لكنّه لم يكن عبثًا.
نحمد الله؛ على كل طريق ظننّاه طويلًا، فاتضح أنَّه كان يعلّمنا الصبر، على كل تأخيرٍ حسبناه خذلانًا، فكان حماية، وعلى كل مرة انكسرنا فيها، ثم وقفنا من جديد ونحن أكثر تهذيبًا، وأقل حدّة، وأقرب لأنفسنا.
نحمده على السنوات التي علّمتنا أن القوة لا تعني القسوة، وأن النجاة لا تكون دائمًا صاخبة، وأن بعض الانتصارات تُرى في الداخل فقط.
وفي ختام هذا العام، نكتب الامتنان لا كواجب، بل كاعتراف صادق.
نمتنّ للأشخاص للذين بقوا حين كان البقاء شاقًا، للأصدقاء الذين شكّلوا طوق نجاة، للقلوب التي أحبت دون شروط، وللوجوه التي جعلت الأيام أخف، حتى في أثقلها، نمتنّ للحب، بكل أشكاله، لأنه ذكّرنا بأننا أحياء، وبأن القلب، مهما تعب، لا يفقد قدرته على الإحساس.
نمتن للعمل، للجهد، للسعي اليومي، للتعب الذي منح أيامنا معنى، وللصحافة التي لم تكن مهنة فحسب، بل رسالة وموقفًا، ومرآة صادقة نرى فيها المجتمع والذات معًا.
نمتنّ للكتابة، للكلمات التي أنقذتنا حين عجز الكلام، وللنصوص التي حملت وجعنا بصمت، ثم تركته أخف.
نمتنّ للسفر، للمدن التي وسّعت رؤيتنا، وللطرقات التي أعادت ترتيب أفكارنا، حتى لتجربة قصيرة أو رحلة بعيدة أثرها كبير في نفوسنا.
نمتنّ لكل يومٍ من الثلاثمائة وخمسة وستين يومًا؛ لأول شعاع شمس رأيناه من نافذتنا، ولضحكة مفاجئة في شارع نمشيه يوميًا، ولرسالة قصيرة من صديق أعادت الاطمئنان، ولرائحة مطر غسلت تعب اليوم، وللمفكرة التي كتبنا فيها الأفكار والخطط، وللكتب التي رافقتنا كأصدقاء صامتين.
نحمد الله على تفاصيل العام الصغير والكبير، على لحظات الوحدة التي علّمت الصبر، وعلى لحظات المشاركة التي جعلت القلب أحن وأهدأ، وعلى الأيام التي شهدت تحديات مجتمعنا وأحداثه الصغيرة والكبيرة، فكلها كانت جزءًا من نسيج هذا العام.
وفي نهاية هذه السنوات، لا نحتفل فقط بمرور الوقت؛ بل بنجاتنا منه.
نغلق عامًا، ونفتح صفحة جديدة بقلوب ممتلئة بالامتنان، وبأرواح تعلمت كيف تحمد الله، ليس فقط على ما أعطى ومنح؛ بل على ما منع عنا، وما تأخّر، وما علّمنا، وما هذّبنا.
نستشرف في الأيام المقبلة خيرًا، نستقبل العام الجديد بثقة هادئة، ونوايا طيبة، ويقين أن ما بعد العِجاف… أكثر خصبًا، وأكثر دفئًا للروح، وأكثر إشراقًا للحياة.
