فوزي عمار
داخل مستوطنة بعيدة في غابة أمريكا الجنوبية، انتهت "اليوتوبيا" التي وعد بها القس الأمريكي جيم جونز أتباعه، بمشهد مروع لا يُنسى، جثث قرابة ألف شخص بينهم مئات الأطفال، بعد حادثة انتحار جماعي أجبرهم عليها زعيمهم المُتألِّه.
بدأت القصة في الخمسينيات تحديدا في كاليفورنيا؛ حيث أسس جونز "معبد الشعوب" في إنديانا بولوس عام 1955. تحت شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، اجتذب الآلاف، لا سيما من الأمريكيين الأفارقة، معلنًا نفسه منقذًا من العنصرية والرأسمالية. لكن الخطاب الجذاب أخفى نزعة استبدادية متزايدة: عزل الأعضاء عن عائلاتهم، ومصادرة ممتلكاتهم، وفرض طاعته المطلقة. تحت ضغط التحقيقات.
نقل جونز نواة أتباعه الأكثر ولاءً إلى غيانا عام 1977، واعدًا إياهم ببناء مجتمع فاضل. لكن "جونزتاون" سرعان ما أصبحت معسكر عمل قسري محاطًا بالحراس المسلحين. قُطعت كل صلة بالعالم الخارجي، وبات الخوف هو اللغة السائدة.
في نوفمبر 1978، وبعد يوم من اغتيال عضو الكونجرس الأمريكي ليو ريان أثناء زيارته لتقصي الحقائق، أدرك جونز أن عالمه الوهمي على وشك الانهيار. بث عبر مكبرات الصوت، محتجا على "عالم لا إنساني"، وأمر أتباعه بتنفيذ "الانتحار الثوري" بشرب عصير مخلوط بالسيانيد. بدأ الأمر بالأطفال. اختارت بعض العائلات الموت معًا، فيما أجبر الحراس الآخرين.
القصة هي انتحار 918 شخصا بينهم 300 طفل. وُجدت جثة جونز لاحقًا مصابة بطلقة نارية في الرأس ومن المتوقع أن يكون قد انتحر.
اليوم، تبقى قصة جونز تاون أكبر فقدان جماعي طوعي للحياة المدنية الأمريكية وهي ليست مجرد حكاية طائفة غريبة؛ بل درسًا صارخًا في كيفية تحول الأيديولوجيات الجذابة إلى أدوات قاتلة تحت حكم زعيم كاريزمي لا يُراجع، وكيف يمكن للعزلة والبارانويا أن تجرد الإنسان من إنسانيته. إنها تحذير دائم من سحر الخطابات المُطلقة التي تعد بالجنة، لكنها غالبًا ما تقود إلى الجحيم.
لقد أصبحت العبارة، المشتقة من المشروب المسمم الذي استخدم في الانتحار الجماعي: "اشرب الكوول-إيد" (Drink the Kool-Aid) مجازًا ثقافيًا ساخرًا يصف الانصياع الأعمى لفكرة أو أيديولوجية خطيرة دون تفكير نقدي.
