دلالات مشاركة جلالة السلطان في "القمة الخليجية"

 

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

من المُقرر أن يُشارك حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظهُ اللهُ ورعاهُ- في الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدُول الخليج العربية المرتقب انعقادها، الأربعاء، في العاصمة البحرينية المنامة، حرصًا من جلالته، على الالتقاء بإخوانه أصحاب الجلالة والسمو لتعزيز مسيرة المجلس والدفع بها نحو آفاق أرحب وأكثر إشراقًا ونماء وازدهارًا، وذلك حسب البيان الصادر عن ديوان البلاط السلطاني.

هذا الحضور يحمل دلالات سياسية واستراتيجية كبيرة، خصوصًا وأن السلطان قابوس- رحمه الله- كان قد انقطع عن حضور القمم الخليجية، منذ عام 2013، وكان ينوب عنه نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الوزراء، كما إن حضور جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لهذه القمة هو الأول منذ تولي مقاليد الحكم في عام 2020.

هذا التحول في أسلوب المُشاركة يعكس طبيعة التغيرات الراهنة لمستجدات ومتطلبات المرحلة في السياسة العُمانية، ورغبة السلطنة في تعزيز مكانتها على الساحة الخليجية بشكل مباشر، بعيدًا عن التمثيل التقليدي عبر المسؤولين الحكوميين.

حضور جلالة السلطان شخصيًا، يحمل رسائل واضحة على عدة مستويات؛ سواء داخليًا أو خارجيًا، ويشير إلى أن عُمان تؤكد حرصها على أن تكون طرفًا أكثر فاعلية في صناعة القرار الخليجي.

ومن الناحية الدبلوماسية، يعكس هذا الحضور حرص عُمان على التأكيد على دورها الوسيط والفاعل في السياسة الإقليمية، علاوة على أن سلطنة عُمان لم تتول يومًا خلال مسيرة المجلس، منصب الأمين العام.

تاريخيًا، اشتهرت عُمان بسياسة توازن دقيقة بين مختلف القوى الإقليمية، ومشاركة السلطان شخصيًا يمكن أن تفتح المجال لمُناقشة الملفات الحساسة بطريقة مباشرة، من دون الحاجة إلى المرور بالوسائل التقليدية التي قد تحد من سرعة التأثير أو وضوح الموقف. كما إن الحضور السامي الشخصي يمنح عُمان قدرة أكبر على التأثير في مخرجات القمة؛ سواء في القضايا السياسية، الاقتصادية، أو حتى الأمنية، خصوصًا في ظل الظروف الإقليمية المعقدة والتحديات المتزايدة التي تواجه دول الخليج.

أما من منظور داخلي، فيمثل حضور جلالة السلطان رسالة قوية للمواطنين بأنَّ القيادة تتابع بنفسها أهم القضايا التي تمس مصالح السلطنة والمنطقة، وأن الدولة تتمتع بالاستقرار والقدرة على إدارة سياستها الخارجية بشكل مباشر. وهذه الخطوة تعزز الثقة في القيادة، وتؤكد على أن عُمان تسعى دائمًا للحفاظ على توازنها الدبلوماسي، مع الحرص على أداء دور نشط في قضايا المنطقة دون الانحياز لمواقف قد تضر بعلاقاتها الإقليمية.

كما يحمل الحضور رمزية كبيرة على صعيد العلاقات الخليجية؛ فهو يؤكد التزام عُمان الراسخ بمجلس التعاون الخليجي ويعكس حرصها على تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء. ووجود المقام السامي شخصيًا في القمة يعكس جدية عُمان في متابعة القضايا المشتركة، مثل الأمن الإقليمي، المشاريع الاقتصادية الكبرى، وسبل حل النزاعات الإقليمية، كما أنه يفتح المجال أمام مبادرات جديدة يمكن أن تُسهم في تعزيز التضامن الخليجي.

ما يزيد من أهمية هذا الحضور هو البُعد الاستراتيجي المرتبط بدور السلطنة في مؤسسات المجلس. وحضور السلطان الشخصي قد يكون مؤشرًا على نظرة مختلفة تجاه المجلس ورغبة محتملة في زيادة المشاركة في مؤسساته ومراكز السلطة فيه؛ بما يعكس دورًا أكثر فاعلية وتأثيرًا، دون المساس بسياسة التوازن والحياد التي تميز الدبلوماسية العُمانية. هذا يعني أن عُمان ربما تسعى لتحقيق حضور أكبر على مستوى القيادة العليا للمجلس، وهو ما قد يمهد لمزيد من المبادرات المشتركة أو التأثير في صياغة استراتيجيات المجلس في المستقبل.

ومن الممكن أن تشمل مشاركة السلطان في القمة مناقشة ملفات شائكة تتعلق بالتوازنات الإقليمية، واستراتيجيات مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، إلى جانب البحث في مبادرات دبلوماسية تهدف إلى تخفيف التوترات بين بعض الأطراف الإقليمية. هذا الحضور يعزز من مصداقية عُمان كلاعب رئيسي وموثوق في مجلس التعاون، ويضعها في موقع يمكنها من التأثير بشكل مباشر على القرارات المصيرية.

بشكل عام، يمثل حضور جلالة السُّلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - للقمة الخليجية مرحلة جديدة في السياسة الخارجية العُمانية، مرحلة تتسم بالفاعلية والرمزية معًا. فهو يضع عُمان في موقع أقوى على الصعيد الخليجي، مع التأكيد على التزامها العميق بمجلس التعاون وأهمية العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة. كما يعكس الحضور حرص عُمان على تعزيز دورها الدبلوماسي، والحفاظ على توازن علاقاتها مع جميع الدول الخليجية، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية واقتصادية متسارعة.

إنَّ الحضور السامي لجلالة السُّلطان في القمة الخليجية يُعطي عُمان فرصة لتأكيد رسائلها السياسية، ولتأكيد دورها كلاعب أساسي وموثوق في المجلس، مع الإشارة إلى إمكانية تطوير حضورها في مؤسساته ومراكز صنع القرار فيه، وهو ما يمهد لمرحلة جديدة في تعزيز إسهام سلطنة عُمان وتأثيرها داخل مجلس التعاون الخليجي.

الأكثر قراءة

z